قوله تعالى :
ونحشره يوم القيامة أعمى .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أعرض عن ذكره يحشره يوم القيامة في حال كونه أعمى . قال
مجاهد ،
وأبو صالح ،
والسدي : أعمى أي : لا حجة له . وقال
عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول . وقد ذكرنا أمثلة متعددة لذلك . فإذا علمت ذلك فاعلم أن في هذه الآية الكريمة قرينة دالة على خلاف قول
مجاهد وأبي صالح ،
وعكرمة . وأن المراد بقوله أعمى أي : أعمى البصر لا يرى شيئا . والقرينة المذكورة هي قوله تعالى :
قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا [ 20 \ 125 ] ، فصرح بأن عماه هو العمى المقابل للبصر وهو بصر العين ، لأن الكافر كان في الدنيا أعمى القلب كما دلت على ذلك آيات كثيرة من كتاب الله ، وقد زاد جل وعلا في سورة " بني إسرائيل " أنه مع ذلك العمى يحشر أصم أبكم أيضا ، وذلك في قوله تعالى :
[ ص: 128 ] ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [ 17 \ 97 ] .