الجواب الثالث : عن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - هو القول بأنه منسوخ ، وأن بعض الصحابة لم يطلع على النسخ إلا في عهد
عمر ، فقد نقل
البيهقي في " السنن الكبرى " في باب من
جعل الثلاث واحدة عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما نصه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فإن كان معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة ؛ يعني أنه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالذي يشبه والله أعلم أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس علم أن كان شيئا فنسخ ، فإن قيل : فما دل على ما وصفت ؟ قيل : لا يشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ثم يخالفه بشيء لم يعلمه كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف . قال الشيخ : ورواية
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد مضت في النسخ وفيها تأكيد لصحة هذا التأويل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فإن قيل : فلعل هذا شيء روي عن
عمر ، فقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بقول
عمر رضي الله عنه ، قيل : قد علمنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - يخالف
عمر - رضي الله عنه - في نكاح المتعة ، وفي بيع الدينار بالدينارين ، وفي بيع أمهات الأولاد وغيره ، فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلافه ؟ ا ه
[ ص: 124 ] محل الحاجة من
البيهقي بلفظه .
وقال الحافظ
ابن حجر في " فتح الباري " ما نصه : الجواب الثالث دعوى النسخ ، فنقل
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : يشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس علم شيئا نسخ ذلك ، قال
البيهقي : ويقويه ما أخرجه
أبو داود من طريق يزيد النحوي ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : كان
الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها ، وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك . والترجمة التي ذكر تحتها
أبو داود الحديث المذكور هي قوله : " باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث " .
وقال
ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
الطلاق مرتان الآية ، بعد أن ساق حديث
أبي داود المذكور آنفا ما نصه : ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14451زكريا بن يحيى ، عن
إسحاق بن إبراهيم ، عن
علي بن الحسين به ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17221هارون بن إسحاق ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة يعني : ابن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007160أن رجلا قال لامرأته : لا أطلقك أبدا ، ولا آويك أبدا ، قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلق حتى إذا دنا أجلك راجعتك ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرت له ذلك ، فأنزل الله عز وجل : الطلاق مرتان قال : فاستقبل الناس الطلاق من كان طلق ومن لم يكن طلق ، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13507أبو بكر بن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16970محمد بن سليمان ، عن
يعلى بن شبيب مولى الزبير ، عن
هشام ، عن أبيه ، عن
عائشة : فذكره بنحو ما تقدم ، ورواه
الترمذي عن
قتيبة ، عن
يعلى بن شبيب به ، ثم رواه عن
أبي كريب ، عن
ابن إدريس ، عن
هشام ، عن أبيه مرسلا وقال : هذا أصح . ورواه
الحاكم في " مستدركه " من طريق
يعقوب بن حميد بن كليب ، عن
يعلى بن شبيب به ، وقال : صحيح الإسناد .
ثم قال
ابن مردويه : حدثنا
محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا
إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16949محمد بن حميد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل عن
محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة قالت :
لم يكن للطلاق وقت ، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ، ما لم تنقض العدة ، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس ، فقال : والله لأتركنك لا أيما ، ولا ذات زوج ، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ، ففعل ذلك مرارا ، فأنزل الله عز وجل : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فوقت الطلاق ثلاثا لا رجعة فيه بعد الثالثة ، حتى تنكح زوجا غيره . وهكذا روي عن
قتادة مرسلا ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وابن زيد [ ص: 125 ] nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير كذلك واختار أن هذا تفسير هذه الآية . ا ه من
ابن كثير بلفظه .
وفي هذه الروايات دلالة واضحة لنسخ المراجعة بعد الثلاث ، وإنكار
المازري - رحمه الله - ادعاء النسخ مردود بما رده به الحافظ
ابن حجر في " فتح الباري " فإنه لما نقل عن
المازري إنكاره للنسخ من أوجه متعددة ، قال بعده ما نصه : قلت : نقل
النووي هذا الفصل في " شرح
مسلم " وأقره ، وهو متعقب في مواضع : أحدها : أن الذي ادعى نسخ الحكم لم يقل : إن
عمر هو الذي نسخ حتى يلزم منه ما ذكر ، وإنما قال ما تقدم : يشبه أن يكون علم شيئا من ذلك نسخ ؛ أي : اطلع على ناسخ للحكم الذي رواه مرفوعا ، ولذلك أفتى بخلافه ، وقد سلم
المازري في أثناء كلامه أن إجماعهم يدل على ناسخ ، وهذا هو مراد من ادعى النسخ .
الثاني : إنكاره الخروج عن الظاهر عجيب ; فإن الذي يحاول الجمع بالتأويل يرتكب خلاف الظاهر حتما .
الثالث : أن تغليطه من قال : المراد ظهور النسخ عجيب أيضا ; لأن المراد بظهوره انتشاره ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يفعل في زمن
أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ ، فلا يلزم ما ذكر من إجماعهم على الخطأ . ا ه محل الحاجة من " فتح الباري " بلفظه ، ولا إشكال فيه ; لأن كثيرا من الصحابة اطلع على كثير من الأحكام لم يكن يعلمه ، وقد وقع ذلك في خلافة
أبي بكر ،
وعمر ،
وعثمان ،
فأبو بكر لم يكن عالما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ميراث الجدة حتى أخبره
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ،
ومحمد بن مسلمة ،
وعمر لم يكن عنده علم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الجنين حتى أخبره المذكوران قبل ، ولم يكن عنده علم من أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من مجوس هجر حتى أخبره
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، ولا من الاستئذان ثلاثا ، حتى أخبره
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري ،
وعثمان لم يكن عنده علم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجب السكنى للمتوفى عنها زمن العدة ، حتى أخبرته
فريعة بنت مالك .
nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس بن عبد المطلب ،
nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة الزهراء - رضي الله عنهما - لم يكن عندهما علم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007162 " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " الحديث ، حتى طلبا ميراثهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمثال هذا كثيرة جدا ، وأوضح دليل يزيل الإشكال عن القول بالنسخ المذكور وقوع مثله ، واعتراف المخالف به في نكاح المتعة ، فإن
مسلما روى عن
جابر [ ص: 126 ] رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007163 " أن متعة النساء كانت تفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، قال : ثم نهانا عمر عنها فانتهينا وهذا مثل ما وقع في طلاق الثلاث طبقا " ما أشبه الليلة بالبارحة " : [ الطويل ]
فإلا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها
فمن الغريب أن يسلم منصف إمكان النسخ في إحداهما ، ويدعي استحالته في الأخرى ، مع أن كلا منهما روى
مسلم فيها عن صحابي جليل : أن ذلك الأمر كان يفعل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر وصدرا من خلافة
عمر ، في مسألة تتعلق بالفروج ثم غيره
عمر .
ومن أجاز نسخ نكاح المتعة ، وأحال نسخ جعل الثلاث واحدة ، يقال له : ما لبائك تجر وبائي لا تجر ؟ فإن قيل : نكاح المتعة صح النص بنسخه قلنا : قد رأيت الروايات المتقدمة بنسخ المراجعة بعد الثلاث ، وممن جزم بنسخ جعل الثلاث واحدة ، الإمام
أبو داود - رحمه الله تعالى - ورأى أن جعلها واحدة إنما هو في الزمن الذي كان يرتجع فيه بعد ثلاث تطليقات وأكثر ، قال في " سننه " : " باب نسخ
المراجعة بعد التطليقات الثلاث " ثم ساق بسنده حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية [ 2 \ 228 ] وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك ، وقال :
الطلاق مرتان الآية . وأخرج نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وفي إسناده
nindex.php?page=showalam&ids=16602علي بن الحسين بن واقد ، قال فيه
ابن حجر في " التقريب " : صدوق يهم ، وروى
مالك في " الموطأ " عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007164كان الرجل إذا طلق امرأته ، ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا أشرفت على انقضاء عدتها راجعها ، ثم قال : لا آويك ولا أطلقك ، فأنزل الله : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ ، من كان طلق منهم أو لم يطلق .
ويؤيد هذا أن
عمر لم ينكر عليه أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيقاع الثلاث دفعة مع كثرتهم وعلمهم ، وورعهم ، ويؤيده : أن كثيرا جدا من الصحابة الأجلاء العلماء صح عنهم القول بذلك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس ،
وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وخلق لا يحصى .
[ ص: 127 ] والناسخ الذي نسخ المراجعة بعد الثلاث ، قال بعض العلماء : إنه قوله تعالى :
الطلاق مرتان كما جاء مبينا في الروايات المتقدمة ، ولا مانع عقلا ولا عادة من أن يجهل مثل هذا الناسخ كثير من الناس إلى خلافة
عمر ، مع أنه صلى الله عليه وسلم صرح بنسخها وتحريمها إلى يوم القيامة في غزوة الفتح ، وفي حجة الوداع أيضا ، كما جاء في رواية عند
مسلم .
ومع أن القرآن دل على تحريم غير الزوجة والسرية بقوله : (
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) [ 23 \ 5 ، 6 ] ومعلوم أن المرأة المتمتع بها ليست بزوجة ولا سرية كما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في سورة " النساء " في الكلام على قوله تعالى :
فما استمتعتم به منهن الآية [ 4 \ 24 ] والذين قالوا : بالنسخ قالوا : في معنى قول
عمر : إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، أن المراد بالأناة أنهم كانوا يتأنون في الطلاق فلا يوقعون الثلاث في وقت واحد . ومعنى استعجالهم أنهم صاروا يوقعونها بلفظ واحد ، على القول بأن ذلك هو معنى الحديث ، وقد قدمنا أنه لا يتعين كونه هو معناه ، وإمضاؤه له عليهم إذن هو اللازم ، ولا ينافيه قوله فلو أمضيناه عليهم ، يعني ألزمناهم بمقتضى ما قالوا ، ونظيره : قول
جابر عند
مسلم في نكاح المتعة : فنهانا عنها
عمر . فظاهر كل منهما أنه اجتهاد من
عمر ، والنسخ ثابت فيهما معا كما رأيت ، وليست الأناة في المنسوخ ، وإنما هي في عدم الاستعجال بإيقاع الثلاث دفعة . وعلى القول الأول : إن المراد بالثلاث التي كانت تجعل واحدة ، أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . فالظاهر في إمضائه لها عليهم أنه من حيث تغير قصدهم من التأكيد إلى التأسيس كما تقدم ، ولا إشكال في ذلك .
أما كون
عمر كان يعلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007165أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل الثلاث بلفظ واحد واحدة ، فتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلها ثلاثا ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فلا يخفى بعده ، والعلم عند الله تعالى .