المسألة العاشرة
اعلم أن العلماء اختلفوا في مثل هذه القصة . فلو
نفشت غنم قوم في حرث آخرين فتحاكموا إلى حاكم من حكام المسلمين فماذا يفعل ؟ اختلف العلماء في ذلك ، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن ما أفسدته البهائم ليلا يضمنه أرباب الماشية بقيمته ، وهو المشهور من مذهب
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد - رحمهم الله . وقيل : يضمنونه بمثله كقضية
سليمان . قال
ابن القيم : وهذا هو الحق ، وهو أحد القولين في مذهب
أحمد ، ووجه للشافعية والمالكية ، والمشهور عنهم خلافه . والآية تشير إلى اختصاص الضمان بالليل ؛ لأن النفش لا يطلق لغة إلا على الرعي بالليل كما تقدم . واحتج الجمهور لضمان أصحاب البهائم ما أفسدته ليلا بحديث
حرام بن محيصة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008429أن ناقة nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها " رواه الأئمة :
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، وصححه
الحاكم ، فقال بعد أن ساق الحديث المذكور : هذا حديث صحيح الإسناد على خلاف فيه بين
معمر nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، فإن
معمرا قال : عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
حرام بن محيصة ، عن أبيه ، وأقره
الذهبي على تصحيحه ولم يتعقبه .
وقال
الشوكاني - رحمه الله - في ( نيل الأوطار ) في الحديث المذكور : صححه
الحاكم ،
والبيهقي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله . ا هـ منه . والاختلاف على
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في رواية هذا الحديث كثير معروف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور ، أرسله الأئمة ، وحدث به الثقات ، واستعمله فقهاء
الحجاز وتلقوه بالقبول ، وجرى في
المدينة العمل به ، وحسبك باستعمال
أهل المدينة وسائر
أهل الحجاز لهذا الحديث ، وعلى كل حال فالحديث المذكور احتج به جمهور العلماء ، منهم الأئمة الثلاثة المذكورون على أن
[ ص: 231 ] ما أفسدته البهائم بالليل على أربابها ، وفي النهار على أهل الحوائط حفظها . ومشهور مذهب
مالك وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أنه يضمن بقيمته كما تقدم .
وأبو حنيفة يقول : لا ضمان مطلقا في جناية البهائم ، ويستدل بالحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008430العجماء جبار " أي : جرحها هدر . والجمهور يقولون : إن الحديث المذكور عام ، وضمان ما أفسدته ليلا مخصص له . وذهب
داود ومن وافقه إلى أن ما أتلفته البهائم بغير علم مالكها ولو ليلا ضمان فيه ، وأما إذا رعاها صاحبها باختياره في حرث غيره فهو ضامن بالمثل .
واعلم أن القائلين بلزوم قيمة ما أفسدته البهائم ليلا يقولون : يضمنه أصحابها ولو زاد على قيمتها ، خلافا
لليث القائل : لا يضمنون ما زاد على قيمتها ، وفي المسألة تفاصيل مذكورة في كتب الفروع ، وصيغة الجمع في الضمير في قوله : لحكمهم [ 21 \ 78 ] الظاهر أنها مراد بها
سليمان ،
وداود ، وأصحاب الحرث ، وأصحاب الغنم ، وأضاف الحكم إليهم لأن منهم حاكما ومحكوما له ومحكوما عليه .
وقوله : ففهمناها أي : القضية أو الحكومة المفهومة من قوله :
إذ يحكمان في الحرث [ 21 \ 78 ] وقوله :
وكلا آتينا [ 21 \ 79 ] أي : أعطينا كلا من
داود وسليمان حكما وعلما . والتنوين في قوله : وكلا عوض عن كلمة ، أي : كل واحد منهما .