قوله تعالى :
ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين أنه في محل نصب عطفا على معمول سخرنا أي : وسخرنا له من يغوصون له من الشياطين . وقيل : " من " مبتدأ ، والجار والمجرور قبله خبره .
وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه
سخر لسليمان من يغوصون له من الشياطين ، أي : يغوصون له في البحار فيستخرجون له منها الجواهر النفيسة ، كاللؤلؤ والمرجان . والغوص : النزول تحت الماء ، والغواص : الذي يغوص البحر ليستخرج منه اللؤلؤ ونحوه . ومنه قول
نابغة ذبيان :
أو درة صدفية غواصها بهج متى يرها يهل ويسجد
وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أيضا أن الشياطين المسخرين له يعملون له عملا دون ذلك ، أي : سوى ذلك الغوص المذكور ، أي : كبناء المدائن ، والقصور ، وعمل المحاريب ، والتماثيل ، والجفان ، والقدور الراسيات ، وغير ذلك من اختراع الصنائع العجيبة .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
وكنا لهم حافظين أي : من أن يزيغوا عن أمره ، أو يبدلوا أو يغيروا ، أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه . وهذه المسائل الثلاث التي تضمنتها هذه الآية الكريمة جاءت مبينة في غير هذا الموضع ، كقوله في الغوص والعمل سواء :
والشياطين كل بناء وغواص الآية [ 38 \ 37 ] وقوله في العمل غير الغوص :
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه [ 34 \ 12 ] وقوله :
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات [ 34 \ 13 ] وكقوله في حفظهم من أن يزيغوا عن أمره :
ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير [ 34 \ 12 ]
[ ص: 237 ] وقوله :
وآخرين مقرنين في الأصفاد [ 38 \ 38 ] .
وصفة البساط ، وصفة حمل الريح له ، وصفة جنود
سليمان من الجن والإنس والطير كل ذلك مذكور بكثرة في كتب التفسير ، ونحن لم نطل به الكلام في هذا الكلام المبارك .