وحاصل خلاصة هذه المسألة أن البحث فيها من ثلاث جهات : الأولى : من جهة دلالة النص القولي أو الفعلي الصريح .
الثانية : من جهة صناعة علم الحديث ، والأصول .
الثالثة : من جهة أقوال أهل العلم فيها ، أما أقوال أهل العلم فيها فلا يخفى أن الأئمة الأربعة وأتباعهم ، وجل الصحابة ، وأكثر العلماء على نفوذ الثلاث دفعة بلفظ واحد ، وادعى غير واحد على ذلك إجماع الصحابة وغيرهم .
وأما من جهة نص صريح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو فعله فلم يثبت من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من فعله ما يدل على جعل الثلاث واحدة ، وقد مر لك أن أثبت ما روي في قصة طلاق ركانة أنه بلفظ البتة ، وأن النبي حلفه ما أراد إلا واحدة ، ولو كان لا يلزم أكثر من واحدة بلفظ واحد لما كان لتحليفه معنى . وقد جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007138يا رسول الله ، أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها ؟ قال : " لا ، كانت تبين منك ، وتكون معصية " .
[ ص: 140 ] وقد قدمنا أن في إسناده
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ،
وشعيب بن زريق الشامي ، وقد قدمنا أن
عطاء المذكور من رجال
مسلم ، وأن
شعيبا المذكور قال فيه
ابن حجر في " التقريب " : صدوق يخطئ ، وأن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا يعتضد بما ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في " الصحيح " من أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007172وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك .
ولا سيما على قول
الحاكم : إنه مرفوع ويعتضد بالحديث المذكور قبله ; لتحليفه
ركانة وبحديث
الحسن بن علي المتقدم عند
البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، وبحديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي الثابت في الصحيح ، في لعان
عويمر وزوجه ، ولا سيما رواية فأنفذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني الثلاث المجتمعة وببقية الأحاديث المتقدمة .
وقد قدمنا أن كثرة طرقها واختلاف منازعها يدل على أن لها أصلا وأن بعضها يشد بعضا فيصلح المجموع للاحتجاج . ولا سيما أن بعضها صححه بعض العلماء وحسنه بعضهم ، كحديث
ركانة المتقدم . وقد عرفت أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين لا دليل فيه على تقدير ثبوته ، فإذا حققت أن المروي باللفظ الصريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس يدل إلا على وقوع الثلاث مجتمعة ، فاعلم أن كتاب الله ليس فيه شيء يدل على عدم وقوع الثلاث دفعة واحدة ; لأنه ليس فيه آية ذكر الثلاث المجتمعة ، وأحرى آية تصرح بعدم لزومها .
وقد قدمنا عن
النووي وغيره أن العلماء استدلوا على وقوع الثلاث دفعة بقوله تعالى :
وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ 65 \ 1 ] ، قالوا معناه : أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه تداركه ; لوقوع البينونة فلو كانت الثلاث لا تقع ، لم يقع طلاقه إلا رجعيا ، فلا يندم .
وقد قدمنا ما ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من أنها تلزم مجتمعة ، وأن ذلك داخل في معنى الآية وهو واضح جدا ، فاتضح أنه ليس في كتاب الله ولا في صريح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو فعله ما يدل على عدم وقوع الثلاث .
أما من جهة صناعة علم الحديث ، والأصول ، فما أخرجه
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المتقدم له حكم الرفع ; لأن قول الصحابي كان يفعل كذا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حكم الرفع عند جمهور المحدثين والأصوليين .
وقد علمت أوجه الجواب عنه بإيضاح . ورأيت الروايات المصرحة بنسخ المراجعة
[ ص: 141 ] بعد " لثلاث " ، وقد قدمنا أن جميع روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور عند
مسلم ليس في شيء منها التصريح بأن الطلقات الثلاث بلفظ واحد ، وقد قدمنا أيضا أن بعض رواياته موافقة للفظ حديث
عائشة الثابت في الصحيح ، وأنه لا وجه للفرق بينهما ، فإن حمل على أن الثلاث مجموعة فحديث
عائشة أصح ، وفيه التصريح بأن تلك المطلقة لا تحل إلا بعد زوج . وإن حمل على أنها بألفاظ متفرقة ، فلا دليل إذن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على محل النزاع ، فإن قيل : أنتم تارة تقولون : إن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس منسوخ ، وتارة تقولون : ليس معناه أنها بلفظ واحد ، بل بألفاظ متفرقة ، فالجواب أن معنى كلامنا : أن الطلقات في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس لا يتعين كونها بلفظ واحد ، ولو فرضنا أنها بلفظ واحد ، فجعلها واحدة منسوخ هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة . والله تعالى أعلم ونسبة العلم إليه أسلم .