المسألة الرابعة : إذا
أسقطت المرأة جنينها ميتا بعد أن كملت فيه صورة الآدمي ، فلا
[ ص: 277 ] خلاف بين أهل العلم في انقضاء العدة بوضعه ، وكونها أم ولد ، ووجوب الغرة فيه ، ولكن العلماء اختلفوا في الصلاة عليه ، وغسله وتكفينه . فذهب
مالك رحمه الله : إلى أنه لا يصلى عليه ، ولا يغسل ، ولا يحنط ، ولا يسمى ، ولا يورث ، ولا يرث حتى يستهل صارخا ، ولا عبرة بعطاسه ، ورضاعه وبوله ، فلو عطس أو رضع أو بال لم يكن ذلك موجبا للصلاة عليه في قول
مالك ، وعليه جمهور أصحابه . وقال
المازري : رضاعه تتحقق به حياته فتجب به الصلاة عليه ، وغيرها من الأحكام .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الظاهر أن الصواب في هذه المسألة أنه إن علمت حياته ، ولو بسبب آخر غير أن يستهل صارخا ، فإنه يصلى عليه . وقد علمت أن مشهور مذهب الإمام
مالك أن المدار على أن يستهل صارخا ، فإن لم يستهل صارخا غسل دمه ، ولف بخرقة ، وووري ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أنه إن
استهل صارخا أو تحرك حركة تدل على الحياة ثم مات صلي عليه ، وورث وإن لم يستهل ولم يتحرك ، فإن لم يكن له أربعة أشهر ، لم يصل عليه ، ولكنه يلف بخرقة ويدفن ، وإن كان له أربعة أشهر فقولان : قال في القديم : يصلى عليه ، وقال في الأم : لا يصلى عليه ، وهو الأصح ، وحكى ابن المنذر عن
أبي حنيفة وأصحابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد التابعي ،
والحكم وحماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ومالك : أنه
إذا لم يستهل صارخا لا يصلى عليه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه يصلى عليه ، وإن لم يستهل . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب وإسحاق . انتهى بواسطة نقل
النووي في شرح المهذب ، ومذهب الإمام
أحمد رحمه الله أنه إذا لم يستهل صارخا ، ولم يتحرك ، فإن كان له أربعة أشهر غسل ، وصلي عليه ، وإلا فلا ، أما إذا استهل صارخا ، فلا خلاف بينهم في الصلاة عليه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : اعلم أن اختلاف الأئمة في هذه المسألة من قبيل الاختلاف في تحقيق المناط ; لأن مناط الأمر بالصلاة عليه هو أن يعلم أنه تقدمت له حياة . ومناط عدم الصلاة عليه هو أن يعلم أنه لم تتقدم له حياة ،
فمالك ومن وافقه رأوا أنه إن استهل صارخا ، أو طالت مدته حيا ، علم بذلك أنه مات بعد حياة ، فيغسل ويصلى عليه ، وقالوا : إن مطلق الحركة لا يدل على الحياة ; لأن المذبوح قد يتحرك حركة قوية ، وقالوا : إنه إن رضع لم يدل ذلك على حياته . قالوا : قد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه عدو الله معدودا في الأموات لو مات له مورث في ذلك الوقت ما ورثه ، وهو قول
ابن القاسم . ولو قتل رجل
عمر في ذلك الوقت لما قتل به ; لأنه في حكم الميت ، وإن كان
[ ص: 278 ] عمر في ذلك الوقت يتكلم ويعهد .
والذين خالفوا هؤلاء قالوا : لا نسلم ذلك فكل حركة قوية تدل على الحياة ،
وعمر ما دام قادرا على الحركة القوية الدالة على الحياة ، فهو حي تجري عليه أحكام الحياة .
والذين قالوا : يغسل إن سقط بعد أربعة أشهر ، استندوا في ذلك إلى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث نحو ما ساقه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، فإنه يدل على أنه بعد الأربعين الثالثة ينفخ فيه الروح ، وانتهاء الأربعين الثالثة هو انتهاء أربعة أشهر ، فقد دل الحديث على نفخ الروح فيه بعد انتهاء الأشهر الأربعة ، ونفخ الروح فيه في ذلك الحين مشعر بأنه مات بعد حياة ، والعلم عند الله تعالى .