قوله تعالى :
وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج . هذا برهان قاطع آخر على البعث : وقوله : وترى [ 22 \ 5 ] ؛ أي : يا نبي الله . وقيل : وترى أيها الإنسان المخاطب ، وهي رؤية بصرية تتعدى إلى مفعول واحد . فقوله : هامدة حال من الأرض ، لا مفعول ثان لـ " ترى " وقوله : " هامدة " أي : يابسة قاحلة لا نبات فيها .
وقال بعض أهل العلم : " هامدة " أي : دارسة الآثار من النبات والزرع . قالوا : وأصل الهمود الدروس والدثور . ومنه قول
الأعشى ميمون بن قيس :
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا
؛ أي : وأرى ثيابك باليات دارسات .
فإذا أنزلنا عليها الماء [ 22 \ 5 ] ؛ أي : سواء كان من المطر ، أو الأنهار أو العيون أو السواني : اهتزت ؛ أي : تحركت بالنبات . ولما كان النبات نابتا فيها متصلا بها ، كان اهتزازه كأنه اهتزازها ، فأطلق عليها بهذا الاعتبار أنها اهتزت بالنبات . وهذا أسلوب عربي معروف .
وقال
أبو حيان في البحر المحيط : واهتزازها تخلخلها واضطراب بعض أجسامها لأجل خروج النبات ، وقوله : وربت ؛ أي : زادت وارتفعت : وقال بعض أهل العلم : وربت : انتفخت لأجل خروج النبات ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري : وربت ؛ أي : أضعفت النبات بمجيء الغيث .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أصل المادة التي منها ربت : الزيادة ، والظاهر
[ ص: 279 ] أن معنى الزيادة الحاصلة في الأرض هي أن النبات لما كان نابتا فيها متصلا بها صار كأنه زيادة حصلت في نفس الأرض .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة : والاهتزاز : الحركة على سرور ، فلا يكاد يقال : اهتز فلان لكيت وكيت ، إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع . اهـ منه .
والاهتزاز أصله : شدة الحركة ، ومنه قوله :
تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت كما اهتز غصن البان في ورق خضر
وقوله : وأنبتت ؛ أي : أنبت الله فيها
من كل زوج ؛ أي : صنف من أصناف النبات والزرع ، والثمار : بهيج ؛ أي : حسن ، والبهجة : الحسن . ومنه قوله تعالى :
فأنبتنا به حدائق ذات بهجة تقول : بهج بالضم بهاجة فهو بهيج : إذا كان حسنا ، وقرأ عامة السبعة : وربت ، وهو من قولهم : ربا يربو : إذا نما وزاد ، وقرأ من الثلاثة
أبو جعفر يزيد بن القعقاع : وربأت بهمزة مفتوحة بعد الباء ؛ أي ارتفعت ، كأنه من الربيئة أو الربيئي ، وهو الرقيب الذي يعلو على شيء مشرف يحرس القوم ويحفظهم .
ومنه قول
امرئ القيس :
بعثنا ربيئا قبل ذاك مخملا كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي
وما أشار إليه جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن إحياء الأرض بعد موتها برهان قاطع على قدرة من فعل ذلك على إحياء الناس بعد موتهم ; لأن الجميع إحياء بعد موت ، وإيجاد بعد عدم بينه في آيات كثيرة ، وقد قدمنا في سورة البقرة والنحل كثرة الاستدلال بهذا البرهان في القرآن على البعث ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى :
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [ 41 \ 39 ] ، وقوله تعالى :
ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون [ 30 \ 19 ] ؛ أي : من قبوركم أحياء بعد الموت ، وقوله تعالى :
وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ 50 \ 11 ] ؛ أي : خروجكم من القبور أحياء بعد الموت ، وقوله تعالى :
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ 7 \ 57 ] ، وقوله :
فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير [ 30 \ 50 ] ، وقوله تعالى :
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [ ص: 280 ] [ 35 \ 9 ] ، وقوله تعالى :
فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [ 43 \ 11 ] ومن ذلك قوله هنا :
وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت [ 22 \ 5 ] بدليل قوله بعده :
ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى إلى قوله :
وأن الله يبعث من في القبور [ 22 \ 6 - 7 ] .