تنبيه
فإن قيل : ما وجه الجمع بين نفيه تعالى النفع والضر معا عن ذلك المعبود من دون الله في قوله :
ما لا يضره وما لا ينفعه [ 22 \ 12 ] مع إثباتهما في قوله :
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ; لأن صيغة التفضيل في قوله : " أقرب " دلت على أن هناك نفعا وضرا ، ولكن الضر أقرب من النفع .
فالجواب : أن للعلماء أجوبة عن ذلك :
منها : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قال : فإن قلت : الضر والنفع منفيان عن الأصنام ، مثبتان لها في الآيتين ، وهذا تناقض .
قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم . وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا ، ولا نفعا ، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به ، ثم قال يوم القيامة : يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها ، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها :
لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير [ 22 \ 13 ]
[ ص: 285 ] وكرر يدعو كأنه قال : يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه . ثم قال لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا : لبئس المولى ، ولبئس العشير . ا هـ منه .
ولا يخفى أن جواب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا غير مقنع ; لأن المعبود من دون الله ليس فيه نفع البتة ، حتى يقال فيه : إن ضره أقرب من نفعه ، وقد بين
أبو حيان عدم اتجاه جوابه المذكور .
ومنها : ما أجاب به
أبو حيان في البحر .
وحاصله : أن الآية الأولى في الذين يعبدون الأصنام ، فالأصنام لا تنفع من عبدها ، ولا تضر من كفر بها ؛ ولذا قال فيها :
ما لا يضره وما لا ينفعه والقرينة على أن المراد بذلك الأصنام ، هي التعبير بلفظة " ما " في قوله :
ما لا يضره وما لا ينفعه [ 22 \ 12 ] لأن لفظة " ما " تأتي لما لا يعقل ، والأصنام لا تعقل .
أما الآية الأخرى فهي في من عبد بعض الطغاة المعبودين من دون الله ،
كفرعون القائل :
ما علمت لكم من إله غيري [ 28 \ 38 ] ،
لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين [ 26 \ 29 ] ،
أنا ربكم الأعلى [ 79 \ 24 ] ، فإن
فرعون ونحوه من الطغاة المعبودين قد يغدقون نعم الدنيا على عابديهم ؛ ولذا قال له القوم الذين كانوا سحرة
أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين [ 26 \ 41 - 42 ] فهذا النفع الدنيوي بالنسبة إلى ما سيلاقونه من العذاب والخلود في النار كلا شيء ، فضر هذا المعبود بخلود عابده في النار أقرب من نفعه بعرض قليل زائل من حطام الدنيا ، والقرينة على أن المعبود في هذه الآية الأخيرة بعض الطغاة الذين هم من جنس العقلاء هي التعبير بـ " من " التي تأتي لمن يعقل في قوله :
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه [ 22 \ 13 ] هذا هو خلاصة جواب
أبي حيان ، وله اتجاه ، والله تعالى أعلم .
واعلم أن اللام في :
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه [ 22 \ 13 ] فيها إشكال معروف . وللعلماء عن ذلك أجوبة .
ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري رحمه الله منها ثلاثة :
أحدها : أن اللام متزحلقة عن محلها الأصلي ، وأن ذلك من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن ، والأصل : يدعو من لضره أقرب من نفعه ، وعلى هذا فـ " من " الموصولة
[ ص: 286 ] في محل نصب مفعول به لـ " يدعو " واللام موطئة للقسم ، داخلة على المبتدإ ، الذي هو وخبره صلة الموصول ، وتأكيد المبتدإ في جملة الصلة باللام وغيرها لا إشكال فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وحكي عن العرب سماعا : منها عندي لما غيره خير منه ؛ أي : عندي ما لغيره خير منه ، وأعطيتك لما غيره خير منه ؛ أي : ما لغيره خير منه .
والثاني منها : أن قوله : يدعو تأكيد لـ " يدعو " في الآية التي قبلها ، وعليه فقوله :
لمن ضره في محل رفع بالابتداء ، وجملة
ضره أقرب من نفعه [ 22 \ 13 ] صلة الموصول الذي هو " من " والخبر هو جملة :
لبئس المولى . وهذا المعنى كقول العرب : لما فعلت لهو خير لك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير لما ذكر هذا الوجه : واللام الثانية في :
لبئس المولى جواب اللام الأولى : قال : وهذا القول على مذهب أهل العربية أصح ، والأول إلى مذهب أهل التأويل أقرب . اهـ .
والثالث منها أن من في موضع نصب بـ " يدعو " وأن اللام دخلت على المفعول به ، وقد عزا هذا لبعض البصريين مع نقله عمن عزاه إليه أنه شاذ . وأقربها عندي الأول .
وقال
القرطبي رحمه الله : ولم ير منه نفعا أصلا ، ولكنه قال
ضره أقرب من نفعه [ 22 \ 13 ] ترفيعا للكلام : كقوله :
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين [ 34 \ 24 ] وباقي الأقوال في اللام المذكورة تركناه ، لعدم اتجاهه في نظرنا ، والعلم عند الله تعالى .