الفرع الخامس : اعلم أن
الطواف في الحج المفرد والقران ثلاثة أنواع : طواف القدوم ، وطواف الإفاضة : وهو طواف الزيارة ، وطواف الوداع .
أما
طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحج بإجماع العلماء ، وأما طواف الوداع ، وطواف القدوم : فقد اختلف فيهما العلماء ، فذهب
مالك وأصحابه ، إلى أن
طواف القدوم : واجب يجبر بدم ، وأن
طواف الوداع : سنة ، ولا يلزم بتركه شيء ، واستدل لوجوب القدوم بحديث
عائشة ،
وعروة المتفق عليه الذي قدمنا بسنده ومتنه عند الشيخين ، وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008621أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم أول ما يبدأ به الطواف ، وكذلك الخلفاء الراشدون ، والمهاجرون ، والأنصار مع قوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444 " خذوا عني مناسككم " واستدل لعدم وجوب طواف الوداع ، بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا شيء ، قالوا : فلو كان واجبا لأمر بجبره ، وأكثر أهل العلم : على أن طواف القدوم لا يلزم بتركه شيء . وقال
ابن حجر في الفتح : وذهب الجمهور إلى أن من ترك طواف القدوم لا شيء عليه ، وعن
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور : عليه دم ، ومن حججهم على أن طواف القدوم لا شيء في تركه أنه تحية ، فلم يجب كتحية المسجد . وأكثر أهل العلم على أن طواف الوداع واجب ، يجب بتركه الدم
[ ص: 405 ] إلا أنه يرخص في تركه للحائض خاصة ، إذا نفرت رفقتها قبل أن تطهر . قال
النووي في شرح
مسلم : الصحيح في مذهبنا وجوب طواف الوداع ، وأنه إذا تركه لزمه دم ، ثم قال : وبه قال أكثر العلماء ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
والحكم ،
وحماد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وأبو حنيفة ،
وأحمد ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . وقال
مالك ،
وداود ،
وابن المنذر : هو سنة لا شيء في تركه . وعن
مجاهد روايتان كالمذهبين انتهى منه . وقد نقل
ابن حجر كلامه هذا ، ثم تعقب عزوه سنيته
لابن المنذر فقال : والذي رأيته في الأوسط
لابن المنذر : أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين في طواف الوداع دليلا : أنه واجب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب ، قالا : حدثنا
سفيان ، عن
سليمان الأحول ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008622كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " قال
زهير : ينصرفون كل وجه ، ولم يقل ( في ) . انتهى منه . فقوله صلى الله عليه وسلم فيه هذا الحديث الصحيح بصيغة النهي الصريح : " لا ينفرن أحد " إلخ . دليل على منع النفر بدون وداع ، وهو واضح في وجوب طواف الوداع ، ثم قال
مسلم رحمه الله : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ
لسعيد قالا : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008623عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . ا هـ منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله في صحيحه : حدثنا
مسدد ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008624عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض انتهى . منه وقوله أمر بصيغة المبني للمفعول ، ومعلوم في علوم الحديث ، وأصول الفقه أن مثل ذلك له حكم الرفع . فهو حديث صحيح متفق عليه ، يدل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع ، مع الترخيص لخصوص الحائض والله يقول :
وما آتاكم الرسول فخذوه [ 59 \ 7 ] . وهو صلى الله عليه وسلم يقول
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851 " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ، وقد نهى في حديث
مسلم السابق ، عن النفر بدون طواف وداع ، وأمر في الحديث المتفق عليه بالوداع . فدل ذلك الأمر وذلك النهي على وجوبه . أما لزوم الدم في تركه ، فيتوقف على دليل صالح لإثبات ذلك ، وسنذكر إن شاء الله ما تيسر من أدلة الدماء التي يوجبها الفقهاء ،
[ ص: 406 ] وحديث ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم
لصفية أن تنفر وهي حائض من غير وداع معروف .