الفرع السابع : لا خلاف بين العلماء في استحباب
استلام الحجر الأسود للطائف ، وجماهيرهم على تقبيله ، وإن عجز وضع يده عليه ، وقبلها خلافا
لمالك قائلا : إنه يضعها على فيه من غير تقبيل . وقال
النووي في شرح المهذب : أجمع المسلمون على استحباب استلام الحجر الأسود ، ويستحب عندنا مع ذلك تقبيله والسجود عليه ، بوضع الجبهة كما سبق بيانه ، فإن عجز عن تقبيله قبل اليد بعده ، وممن قال بتقبيل اليد :
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وعطاء ،
وعروة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وأحمد ،
وإسحاق . حكاه عنهم
ابن المنذر قال : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ومالك : يضع يده على فيه من غير تقبيل .
قال
ابن المنذر : وبالأول أقول ; لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعلوه ، وتبعهم جملة الناس عليه ، ورويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما
السجود على الحجر الأسود ، فحكاه
ابن المنذر عن
[ ص: 407 ] nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد .
قال
ابن المنذر : وبه أقول : قال وقد روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال
مالك : هو بدعة ، واعترف
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض المالكي بشذوذ
مالك عن الجمهور في المسألتين ، فقال جمهور العلماء : على أنه يستحب تقبيل اليد ، إلا
مالكا في أحد قوليه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد قالا : لا يقبلها . قال : وقال جميعهم : يسجد عليه ، إلا
مالكا وحده فقال : بدعة .
وأما
الركن اليماني ففيه للعلماء ثلاثة أقوال :
الأول : أنه يستحب استلامه باليد ، ولا يقبل ، بل تقبل اليد بعد استلامه ، وهذا هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال
النووي : وروي عن
جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة .
القول الثاني : أنه يستلمه ، ولا يقبل يده بعده بل يضعها على فيه من غير تقبيل ، وهو مشهور مذهب
مالك ،
وأحمد ، وعن
مالك رواية : أنه يقبل يده بعد استلامه كمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
القول الثالث : أنه يقبله ، وهو مروي عن
أحمد .
تنبيهان
الأول : قد جاءت روايات متعارضة في
الوقت الذي طاف فيه النبي صلى الله عليه وسلم طواف الإفاضة ، وفي الموضع الذي صلى فيه ظهر يوم النحر ، فقد جاء في بعض الروايات : أنه طاف يوم النحر ، وصلى ظهر ذلك اليوم
بمنى ، وجاء في بعض الروايات : أنه صلى ظهر ذلك اليوم في
مكة ، وفي بعض الروايات : أنه طاف ليلا لا نهارا . ففي حديث
جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم عند
مسلم ما لفظه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008625 " ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر " ، ففي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنه أفاض نهارا ، وهو نهار يوم النحر ، وأنه صلى ظهر يوم النحر
بمكة ، وكذلك قالت
عائشة : أنه طاف يوم النحر ، وصلى الظهر
بمكة . وقال
مسلم في صحيحه أيضا : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16957محمد بن رافع ، حدثنا
عبد الرزاق ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008626 " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ، ثم رجع فصلى الظهر بمنى " قال
نافع : فكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يفيض يوم النحر ، ثم يرجع ، فيصلي الظهر
بمنى ، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله انتهى منه . فترى حديث
جابر وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الثابتين في صحيح
مسلم اتفقا على أنه طاف طواف الإفاضة نهارا ، واختلفا في موضع صلاته لظهر ذلك اليوم ، ففي حديث
جابر : أنه صلاها
بمكة وكذلك قالت
عائشة . وفي حديث
ابن [ ص: 408 ] عمر : أنه صلاها
بمنى بعد ما رجع من
مكة . ووجه الجمع بين الحديثين : أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
بمكة ، كما قال
جابر وعائشة ، ثم رجع إلى
منى ، فصلى بأصحابه الظهر مرة أخرى ، كما صلى بهم صلاة الخوف مرتين : مرة بطائفة ، ومرة بطائفة أخرى في
بطن نخل ، كما أوضحناه سابقا في سورة النساء ، فرأى
جابر وعائشة صلاته في
مكة فأخبرا بما رأيا وقد صدقا . ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صلاته بهم في
منى فأخبر بما رأى ، وقد صدق وهذا واضح ، وبهذا الجمع جزم
النووي ، وغير واحد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : وقال
أبو الزبير ، عن
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم : أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل انتهى محل الغرض منه . وقد قدمنا أن كل ما علقه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علق عنه ، مع أنه وصله
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
وأحمد ، وغيرهم من طريق
سفيان ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن
أبي الزبير به وزيارته ليلا في هذا الحديث المروي عن
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس مخالفة لما قدمنا في حديث
جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وللجمع بينهما أوجه من أظهرها عندي اثنان .
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة في النهار يوم النحر ، كما أخبر به
جابر ،
وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، ثم بعد ذلك صار يأتي البيت ليلا ، ثم يرجع إلى
منى فيبيت بها ، وإتيانه البيت في ليالي
منى ، هو مراد
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه بعد أن ذكر هذا الحديث الذي علقه بصيغة الجزم ما نصه : ويذكر عن
أبي حسان ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008627عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي كان يزور البيت أيام منى . ا هـ .
وقال
ابن حجر في الفتح : فكأن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عقب هذا بطريق
أبي حسان ، ليجمع بين الأحاديث بذلك ، فيحمل حديث
جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : على اليوم الأول ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذا : على بقية الأيام ، وهذا الجمع مال إليه
النووي . وهذا ظاهر .
الوجه الثاني : في الجمع بين الأحاديث المذكورة أن الطواف الذي طافه النبي صلى الله عليه وسلم ليلا : طواف الوداع ، فنشأ الغلط من بعض الرواة في تسميته بالزيارة ، ومعلوم أن طواف الوداع كان ليلا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج ، أخبرنا
ابن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث ، عن
قتادة : أن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008628 " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت ، فطاف به " . تابعه الليث .
[ ص: 409 ] حدثني
خالد ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه : حدثه " أن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وهو واضح في أنه طاف طواف الوداع ليلا ا هـ . وحديث
عائشة المتفق عليه يدل لذلك ، وإلى هذا الجمع مال
ابن القيم في زاد المعاد ، ولو فرضنا أن أوجه الجمع غير مقنعة فحديث
جابر ،
وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : أنه طاف طواف الزيارة نهارا أصح مما عارضها ، فيجب تقديمها عليه ، والعلم عند الله تعالى .
التنبيه الثاني : اعلم أنه جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم
طاف ماشيا ، ومما يدل على ذلك الأحاديث الصحيحة التي سقناها سابقا ، في أنه رمل ثلاثة أشواط ، ومشى أربعا ، فإن ذلك يدل على أنه ماش على رجليه لا راكب ، مع أنه جاءت روايات أخر صحيحة تدل على أنه طاف راكبا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
أحمد بن صالح ،
ويحيى بن سليمان قالا : حدثنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008629 " طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن " تابعه
الدراوردي ، عن ابن أخ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن عمه .
وقال
مسلم في صحيحه : حدثني
أبو الطاهر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15708وحرملة بن يحيى ، قالا : أخبرنا
ابن وهب ، أخبرني
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008630 " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16637علي بن مسهر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008631 " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ; لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه ، فإن الناس قد غشوه " .
وفي لفظ عن
جابر عند
مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008632 " طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه ، فإن الناس قد غشوه " .
وقال
مسلم في صحيحه أيضا : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14153الحكم بن موسى القنطري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16106شعيب بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن
عروة ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008633 " طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن ، كراهية أن يضرب عنه الناس " ، انتهى منه .
فهذه الأحاديث الصحيحة الثابتة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وجابر ،
وعائشة - رضي الله عنهم - صريحة في أنه
طاف راكبا .
[ ص: 410 ] ووجه الجمع بين هذه الأحاديث الدالة على طوافه راكبا مع الأحاديث الدالة على أنه طاف ماشيا : كأحاديث الرمل في الأشواط الثلاثة الأول ، والمشي في الأربعة الأخيرة : هو " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم ماشيا ، ورمل في أشواطه الثلاثة الأول ، وطاف طواف الإفاضة في حجة الوداع راكبا " ، هو نص صريح صحيح ، يبين أن من طاف ، وسعى راكبا ، فطوافه وسعيه كلاهما صحيح ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444 " خذوا عني مناسككم " وقد قدمنا البحث مستوفى في المشي ، والركوب في الحج مع مناقشة أدلة الفريقين . والعلم عند الله تعالى .