الفرع الثاني : اختلف العلماء في
عدة المختلعة : فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تعتد بثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض ، كعدة المطلقة منهم :
مالك ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه في الرواية المشهورة عنهما ، وروي ذلك عن
عمر ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وبه يقول
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ،
وعروة ،
وسالم ،
وأبو سلمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ،
وأبو عياض ،
nindex.php?page=showalam&ids=15826وخلاس بن عمرو ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ،
وأبو العبيد .
قال
الترمذي : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم ، ومأخذهم في هذا : أن الخلع طلاق فتعتد كسائر المطلقات ، قاله
ابن كثير .
قال مقيده عفا الله عنه : وكون الخلع طلاقا ظاهر من جهة المعنى ، لأن العوض المبذول للزوج من جهتها إنما بذلته في مقابلة ما يملكه الزوج ، وهو الطلاق ; لأنه لا يملك لها فراقا شرعا إلا بالطلاق ، فالعوض في مقابلته . ويدل له ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قصة مخالعة
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس زوجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007175 " أن امرأة nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس ، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس ما أعتب عليه من خلق ولا دين ، ولكني [ ص: 146 ] أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " فإن قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007176 " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " ، فيه دليل على أن العوض مبذول في الطلاق الذي هو من حق الزوج ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عقب سوقه للحديث المذكور .
قال
أبو عبد الله : لا يتابع فيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . لا يسقط الاحتجاج به ; لأن مراده أن
أزهر بن جميل لا يتابعه غيره في ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذا الحديث ، بل أرسله غيره ومراده بذلك : خصوص طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء ، عن
عكرمة ، ولهذا عقبه برواية
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد وهو ابن عبد الله الطحان عن
خالد ، وهو
الحذاء عن
عكرمة مرسلا ، ثم برواية
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء مرسلا ، وعن
أيوب موصولا . ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان عن
أيوب الموصولة ، وصلها
الإسماعيلي ، قاله الحافظ في " الفتح " ، فظهر اعتضاد الطرق المرسلة بعضها ببضع ، وبالطرق الموصولة .
وقوله في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان عن
أيوب الموصولة وأمره ففارقها يظهر فيها أن مراده بالفراق الطلاق في مقابلة العوض ; بدليل التصريح في الرواية الأخرى بذكر التطليقة ، والروايات بعضها يفسر بعضا ، كما هو معلوم في علوم الحديث .
وما ذكره بعض العلماء من أن
المخالع إذا صرح بلفظ الطلاق لا يكون طلاقا ، وإنما يكون فسخا فهو بعيد ولا دليل عليه . والكتاب والسنة يدلان على أن المفارقة بلفظ الطلاق طلاق لا فسخ . والاستدلال على أنه فسخ بإيجاب حيضة واحدة في عدة المختلعة فيه أمران : أحدهما : ما ذكرنا آنفا من أن أكثر أهل العلم على أن المختلعة تعتد عدة المطلقة ثلاثة قروء .
الثاني : أنه لا ملازمة بين الفسخ والاعتداد بحيضة ، ومما يوضح ذلك أن الإمام
أحمد وهو ، رحمه الله تعالى يقول في أشهر الروايتين عنه : إن الخلع فسخ لا طلاق ، ويقول في أشهر الروايتين عنه أيضا : إن عدة المختلعة ثلاثة قروء كالمطلقة ، فظهر عدم الملازمة عنده ، فإن قيل هذا الذي ذكرتم يدل على أن المخالع إذا صرح بلفظ الطلاق كان طلاقا ، ولكن إذا لم يصرح بالطلاق في الخلع فلا يكون الخلع طلاقا ، فالجواب : أن مرادنا بالاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007176 " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " : أن الطلاق المأمور به
[ ص: 147 ] من قبله - صلى الله عليه وسلم - هو عوض المال إذ لا يملك الزوج من الفراق غير الطلاق . فالعوض مدفوع له عما يملكه كما يدل له الحديث المذكور دلالة واضحة .
وقال بعض العلماء : تعتد المختلعة بحيضة ، ويروى هذا القول عن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=10718والربيع بنت معوذ ، وعمها ، وهو صحابي وأخرجه أصحاب السنن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني مرفوعا والظاهر أن بعض أسانيده أقل درجاتها القبول ، وعلى تقدير صحة الحديث بذلك فلا كلام . ولو خالف أكثر أهل العلم وقد قدمنا عدم الملازمة بين كونه فسخا ، وبين الاعتداد بحيضة فالاستدلال به عليه لا يخلو من نظر ، وما وجهه به بعض أهل العلم من أن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة ، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل . وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء لا يخلو من نظر أيضا ; لأن
حكمة جعل العدة ثلاثة قروء ليست محصورة في تطويل زمن الرجعة ، بل الغرض الأعظم منها : الاحتياط لماء المطلق حتى يغلب على الظن بتكرر الحيض ثلاث مرات ، أن الرحم لم يشتمل على حمل منه . ودلالة ثلاث حيض على ذلك أبلغ من دلالة حيضة واحدة ، ويوضح ذلك أن الطلقة الثالثة لا رجعة بعدها إجماعا .
فلو كانت الحكمة ما ذكر لكانت العدة من الطلقة الثالثة حيضة واحدة ، وما قاله بعض العلماء من أن باب الطلاق جعل حكمه واحدا فجوابه أنه لم يجعل واحدا إلا لأن الحكمة فيه واحدة ، ومما يوضح ذلك أن المطلق قبل الدخول لا عدة له على مطلقته إجماعا ، بنص قوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ 33 \ 49 ] ، مع أنه قد يندم على الطلاق كما يندم المطلق بعد الدخول ، فلو كانت
الحكمة في الاعتداد بالأقراء مجرد تمكين الزوج من الرجعة ، لكانت العدة في الطلاق قبل الدخول .
ولما كانت الحكمة الكبرى في الاعتداد بالأقراء هي أن يغلب على الظن براءة الرحم من ماء المطلق ; صيانة للأنساب ، كان الطلاق قبل الدخول لا عدة فيه أصلا ; لأن الرحم لم يعلق بها شيء من ماء المطلق حتى تطلب براءتها منه بالعدة ، كما هو واضح . فإن قيل فما وجه اعتداد المختلعة بحيضة ؟ قلنا : إن كان ثابتا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجه عنه أصحاب السنن
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني فهو تفريق من الشارع بين الفراق المبذول فيه عوض ، وبين غيره في قدر العدة ، ولا إشكال في ذلك . كما فرق بين
الموت قبل [ ص: 148 ] الدخول فأوجب فيه عدة الوفاة . وبين الطلاق قبل الدخول فلم يوجب فيه عدة أصلا ، مع أن الكل فراق قبل الدخول . والفرق بين الفراق بعوض ، والفراق بغير عوض ظاهر في الجملة ، فلا رجعة في الأول بخلاف الثاني .