تنبيه
اعلم أن ما يظنه كثير من أهل العلم ، من أن حديث
عائشة هذا الدال على أن
[ ص: 422 ] السعي لا بد منه ، وأنه لا يتم بدونه حج ، ولا عمرة أنه موقوف عليها غير صواب ، بل هو مرفوع ، ومن أصرح الأدلة في ذلك أنها رتبت بالفاء في الرواية المتفق عليها قولها : فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، على قولها : قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، وهو صريح في أن قولها : ليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما ، ودل هذا الترتيب بالفاء على أن مرادها بأنه سنه أنه فرضه بسنته كما جزم به
ابن حجر في الفتح ، مقتصرا عليه ، مستدلا له بأنها قالت : ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ، لم يطف بين
الصفا والمروة ، فقولها : إن النبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما ، وترتيبها على ذلك بالفاء ، قولها : فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، وجزمها بأنه لا يتم حج ولا عمرة إلا بذلك دليل واضح على أنها إنما أخذت ذلك مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا برأي منها ، كما ترى .
وقد تقرر في الأصول في مبحث النص الظاهر من مسالك العلة أن
الفاء في الكتاب ، والسنة تفيد التعليل ، وكذلك هي في كلام الراوي الفقيه ، فهو المرتبة الثانية بعد الوحي من كتاب ، أو سنة ، ثم يلي ذلك الفاء من الراوي غير الفقيه .
ومثاله في الوحي قوله تعالى :
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ 5 \ 38 ] ؛ أي : لعلة سرقتهما . وقوله تعالى :
قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض [ 2 \ 222 ] ؛ أي : لعلة كون الحيض أذى .
ومثاله في كلام الراوي . حديث
أنس المتفق عليه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008653أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها : من فعل بك هذا فلان أو فلان ؟ حتى سمي اليهودي ، فأومأت برأسها فجيء به فلم يزل حتى اعترف ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة . فقول أنس في هذا الحديث الصحيح .
فأمر به فرض رأسه بحجرين ؛ أي : لعلة رضه رأس الجارية المذكورة بين حجرين .
ومن أمثلة ذلك ما رواه
أبو داود في سننه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008654أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ، ثم تشهد ثم سلم " ا هـ ؛ أي : سجد لعلة سهوه ، وكذلك قول
عائشة رضي الله عنها : قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بهما ؛ أي : لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم سن ذلك ؛ أي : فرضه بسنته كما تقدم إيضاحه ، وإلى إفادة الفاء التعليل في كلام الشارع ، ثم الراوي الفقيه ، ثم الراوي غير الفقيه أشار في مراقي السعود بقوله في مراتب النص الظاهر :
فالفاء للشارع فالفقيه فغيره يتبع بالشبيه
[ ص: 324 ] ومن أدلتهم على أن السعي ركن لا بد منه : حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008655إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومن حديث
حبيبة بنت أبي تجراة ، ومن حديث تملك العبدرية ، ومن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة .
قال
الزيلعي في نصب الراية : أما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فرواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه ، ثنا
محمد بن النضر الأزدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17111معاوية بن عمرو ، عن
المفضل بن صدقة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
وإسماعيل بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008656سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حج عن الرمل ؟ فقال : " إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " انتهى .
وأما حديث
حبيبة بنت أبي تجراة فرواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
والحاكم في المستدرك ، وسكت عليه ، وأعله
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل
بابن المؤمل ، وأسند تضعيفه عن
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ووافقهم . ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14687أحمد الطبراني في معجمه ، ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ثم
البيهقي في سننهما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخبرنا
عبد الله بن المؤمل العائذي ، عن
عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن
حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء
بني عبد الدار قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين
الصفا والمروة والناس بين يديه ، وهو وراءهم ، وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي ، وهو يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008657اسعوا فإن الله تعالى كتب عليكم السعي " انتهى . وأخرجه
الحاكم في المستدرك أيضا في الفضائل ، عن
عبد الله بن نبيه ، عن جدته
صفية ، عن
حبيبة بنت أبي تجراة بنحوه . وسكت عنه أيضا ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا
محمد عن عبد الله بن المؤمل ، حدثنا
عبد الله بن أبي حسين ، عن
عطاء ، عن
حبيبة بنت أبي تجراة ، فذكره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر : أخطأ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، أو شيخه في موضعين منه .
أحدهما : أنه جعل موضع
ابن محيصن عبد الله بن أبي حسين ، والآخر أنه أسقط
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان في كتابه : وعندي أن الوهم من
عبد الله بن المؤمل فإن
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة إمام كبير ، وشيخه
nindex.php?page=showalam&ids=16925محمد بن بشر ثقة ،
وابن المؤمل سيئ الحفظ ، وقد اضطرب في هذا الحديث اضطرابا كثيرا فأسقط عطاء مرة ،
وابن محيصن أخرى ،
nindex.php?page=showalam&ids=10941وصفية بنت شيبة أخرى ، وأبدل
ابن محيصن بابن أبي حسين أخرى ، وجعل المرأة عبدرية تارة ويمنية أخرى . وفي الطواف تارة ، وفي السعي بين
الصفا والمروة أخرى ، وكل ذلك دليل على سوء حفظه ، وقلة ضبطه . والله أعلم انتهى .
[ ص: 424 ] طريق آخر أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ، أخبرني
معروف بن مشكان ، قال : أخبرني
منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه
صفية قالت : أخبرتني نسوة من
بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن : دخلنا دار
ابن أبي حسين فاطلعنا من باب مقطع فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد في المسعى إلى آخره .
قال صاحب التنقيح : إسناده صحيح ،
ومعروف بن مشكان باني كعبة الرحمن صدوق ، لا نعلم من تكلم فيه ،
ومنصور هذا ثقة مخرج له في الصحيحين . انتهى .
وأما حديث
تملك العبدرية ; فأخرجه
البيهقي في سننه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في معجمه عن
مهران بن أبي عمر ، ثنا
سفيان ، ثنا
المثنى بن الصباح ، عن
المغيرة بن حكيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن
تملك العبدرية . قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008658نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة ، وهو يقول : " أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " انتهى . تفرد به
مهران بن أبي عمر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : في حديثه اضطراب . وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة فرواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17099محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا
علي بن الحكم الأودي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن ، عن
المثنى بن الصباح ، عن
المغيرة بن حكيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008657اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ، انتهى .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في علله في هذا الحديث اضطرابا كثيرا . ثم قال : والصحيح قول من قال عن
عمر بن محيصن ، عن
عطاء ، عن
صفية ، عن
حبيبة بنت أبي تجراة وهو الصواب انتهى .
وقال
الحازمي في كتابه : ( الناسخ والمنسوخ ) : الوجه السادس والعشرون من وجوه الترجيحات : هو أن يكون أحد الحديثين من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مقارن فعله ، والآخر مجرد قوله لا غير ، فيكون الأول أولى بالترجيح نحو ما روته
حبيبة بنت أبي تجراة ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008659رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في بطن المسيل يسعى وهو يقول : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ، فهو أولى من حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008660الحج عرفة " لأنه مجرد قول . والأول قول وفعل ، وفيه أيضا إخباره عن الله أنه أوجبه علينا ، فكان أولى . انتهى كلامه .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي في كتاب المغازي : حدثنا
علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن
منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه ، عن
برة بنت أبي تجراة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008661لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى السعي قال : " أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي [ ص: 425 ] فاسعوا " قالت : فسعى حتى رأيت إزاره انكشف عن فخذه . انتهى كله من نصب الراية للزيلعي .
وقد رأيته عزا لصاحب التنقيح : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن نسوة من
بني عبد الدار أدركن النبي صلى الله عليه وسلم أنهن رأينه يطوف بين
الصفا والمروة وهو يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008655إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " ، أن إسناده صحيح ، وهو نص في محل النزاع . والظاهر أن الإسناد المذكور صحيح كما قال . لأن
معروف بن مشكان المذكور صدوق ،
ومنصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي ثقة ، وهو ابن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة المذكورة .
وقال
النووي في شرح المهذب : واحتج أصحابنا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن نسوة من
بني عبد الدار أنهن سمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد استقبل الناس في المسعى ، وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008662يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والبيهقي بإسناد حسن . انتهى منه .
وهو نص صالح للاحتجاج في أن السعي مما كتب على الناس ، ولفظة : كتب : تدل على اللزوم .
فإن قيل : حديث
حبيبة المذكور في إسناده
عبد الله بن المؤمل ، وهو وإن كان وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان وقال : يخطئ ، فقد ضعفه غيره ، وحديث
صفية في إسناده
nindex.php?page=showalam&ids=17171موسى بن عبيدة ، وهو ضعيف ، وحديث :
تملك المذكور فيه
المثنى بن الصباح ، وهو وإن وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين في رواية ، فقد ضعفه جماعة . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور فيه
المفضل بن صدقة ، وهو متروك .
فالجواب : أن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن نسوة من
بني عبد الدار عند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والبيهقي ، ليس في إسنادها شيء مما ذكر ، وقد صحح إسنادها
ابن الهمام في التنقيح ، كما ذكره
الزيلعي وحسنها
النووي في شرح المهذب ،
والبيهقي روى حديثها المذكور من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، قال في سننه الكبرى : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي ،
وأبو بكر بن الحارث الفقيه قالا : ثنا
علي بن عمر الحافظ ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13298يحيى بن صاعد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14121الحسن بن عيسى النيسابوري ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ، أخبرني
معروف ابن مشكان ، أخبرني
منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه
صفية ، أخبرتني عن نسوة من
بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008663دخلنا دار ابن أبي حسين ، فاطلعنا من باب مقطع ، ورأينا [ ص: 426 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد في المسعى ، حتى إذا بلغ زقاق بني فلان ، موضعا قد سماه من المسعى ، استقبل الناس فقال : " يا أيها الناس ، اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم " انتهى منه .
فهذا الإسناد هو الذي صححه صاحب التنقيح ، وحسنه
النووي .
واعلم أن اختلاف الروايات في المرأة التي روت عنها
صفية المذكورة هذا الحديث لا يضر لتصريحها في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني والبيهقي هذه بأنها روت ذلك عن نسوة أدركن النبي صلى الله عليه وسلم . وإذن فلا مانع من أن تسمى واحدة منهن في رواية ، وتسمى غيرها منهن في رواية أخرى كما لا يخفى وقال
ابن حجر في فتح الباري : واحتج
ابن المنذر للوجوب بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن
حبيبة بنت أبي تجراة بكسر المثناة ، وسكون الجيم بعدها راء ، ثم ألف ساكنة ، ثم هاء ، وهي إحدى نساء
بني عبد الدار ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008664دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي ، وسمعته يقول : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ، وغيرهما . وفي إسناد هذا الحديث :
عبد الله بن المؤمل ، وفيه ضعف ، ومن ثم قال
ابن المنذر : إن ثبت فهو حجة في الوجوب .
قلت : له طريق أخرى في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة مختصرة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كالأولى ، وإذا انضمت إلى الأولى قويت .
واختلف على
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها ، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة ، فقد وقع عند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عنها : أخبرتني نسوة من
بني عبد الدار ، فلا يضره الاختلاف . انتهى الغرض من كلام
ابن حجر .
وقد علمت مما ذكرنا أن بعض طرق حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008655إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " ، لا تقل عن درجة القبول . وهو نص في محل النزاع مع أنه معتضد بما ذكرناه من حديث
عائشة ، عند الشيخين . وبظاهر الآية كما بينا ، وبما سيأتي أيضا إن شاء الله تعالى .
ومن أدلتهم على لزوم السعي ما جاء في بعض روايات حديث
أبي موسى المتفق عليه ، من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، قال
مسلم رحمه الله في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ،
وابن بشار ، قال
ابن المثنى : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، أخبرنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن
أبي موسى قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008665قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو منيخ [ ص: 427 ] بالبطحاء ، فقال لي " أحججت ؟ فقلت : نعم . فقال : بم أهللت ؟ قال : قلت : لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فقد أحسنت . طف بالبيت وبالصفا والمروة " . الحديث قالوا : فقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=110لأبي موسى الأشعري " طف
بالبيت وبالصفا والمروة " أمر صريح منه صلى الله عليه وسلم بذلك ، وصيغة الأمر تقتضي الوجوب ما لم يقم دليل صارف عن ذلك ، وقد دل على اقتضائها الوجوب : الشرع واللغة .
وقال بعضهم : إن العقل يفيد ذلك ، وليس بسديد عندي ، أما دلالة الشرع على ذلك ففي نصوص كثيرة كقوله تعالى :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ 24 \ 63 ] وهذا الوعيد العظيم على مخالفة أمره ، يدل على وجوب امتثال أمره ، وكقوله تعالى : لإبليس لما لم يمتثل الأمر المدلول عليه بصيغة افعل التي هي قوله تعالى :
اسجدوا لآدم [ 20 \ 116 ]
ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك الآية [ 7 \ 12 ] فتوبيخه وتقريعه له في هذه الآية لمخالفته الأمر ، وقد سمى نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مخالفة الأمر معصية وذلك يدل على وجوب الامتثال في قوله تعالى عنه :
أفعصيت أمري [ 20 \ 93 ] وكقوله تعالى :
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ 33 \ 36 ] فجعل أمر الله ورسوله مانعا من الاختيار موجبا للامتثال ، منبها على عدم الامتثال معصية في قوله بعده :
ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ 33 \ 36 ] وكقوله تعالى :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " إلى غير ذلك من الأدلة .
وأما دلالة اللغة على اقتضاء صيغة افعل الوجوب . فإيضاحها أن أهل اللسان العربي مجمعون على أن السيد لو قال لعبده : اسقني ماء مثلا ، ثم لم يمتثل العبد وعاقبه سيده على عدم الامتثال كان ذلك العقاب واقعا موقعه ، لأن صيغة افعل ألزمته الامتثال ، وليس للعبد أن يقول : صيغة افعل لم توجب علي الامتثال ، ولم تلزمني إياه ؟ فعقابك لي غلط لأني لم أترك شيئا لازما ، حتى تعاقبني عليه . وإجماعهم على أنه ليس له ذلك وأن عقابه له صواب لعصيانه دليل على أن صيغة افعل تقتضي الوجوب ، ما لم يصرف عنه صارف ، وهو قول جمهور الأصوليين . ومقابله أقوال أخر ، أشار لها في مراقي السعود بقوله في مبحث الأمر :
وافعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب
[ ص: 428 ] وقيل للوجوب أمر الرب وأمر من أرسله للندب
ومفهم الوجوب يدري الشرع أو الحجا أو المفيد الوضع
وقال بعض أهل العلم : إن دلالة اللغة على اقتضاء الأمر الوجوب راجعة إلى دلالة الشرع ; لأن الشرع هو الذي دل على وجوب طاعة العبد لسيده .
ومن أدلتهم على أن
السعي بين الصفا والمروة لا بد منه : ما قدمنا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عند
الترمذي ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008666من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا " قال
المجد في المنتقى : رواه
الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وفيه دليل على وجوب السعي ، ووقوف التحلل عليه . انتهى منه .
والذي رأيته في
الترمذي لما ساق الحديث بلفظه المذكور : هو أنه قال : قال
أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح ، تفرد به
الدراوردي على ذلك اللفظ ، وقد رواه غير واحد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، ولم يرفعوه . وهو أصح . انتهى منه .
ومن أدلتهم على ذلك : ما جاء في بعض الروايات الثابتة في الصحيح ، من أنه صلى الله عليه وسلم قال
لعائشة رضي الله عنها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008667يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك " وهذا اللفظ في صحيح
مسلم ، قالوا : ويفهم من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008667يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك " أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها إجزاء عن حجها وعمرتها ، هذا هو حاصل ما استدل به القائلون بأنه ركن من أركان الحج والعمرة .
وأما حجة الذين قالوا : إنه سنة لا يجب بتركه شيء ، فهي قوله تعالى :
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم [ 2 \ 158 ] قالوا : فرفع الجناح في قوله :
فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ 2 \ 158 ] دليل قرآني على عدم الوجوب ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير ، لخالته
nindex.php?page=showalam&ids=25أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
والجواب عن الاستدلال بهذه الآية على عدم وجوب السعي : هو ما أجابت به
عائشة عروة ، فإنها أولا ذمت هذا التفسير لهذه الآية بقولها : بئس ما قلت يا ابن أختي ، ومعلوم أن لفظة بئس فعل جامد لإنشاء الذم ، وما ذمت تفسير الآية بما ذكر ، إلا لأنه تفسير غير صحيح ، وقد بينت له أن الآية نزلت جوابا لسؤال من ظن أن في السعي بين
الصفا والمروة جناحا ، وإذا فذكر رفع الجناح لمطابقة الجواب للسؤال ، لا لإخراج المفهوم عن حكم
[ ص: 429 ] المنطوق ، فلو سألك سائل مثلا قائلا : هل علي جناح في أن أصلي الخمس المكتوبة ؟ وقلت له : لا جناح عليك في ذلك ، لم يلزم من ذلك أنك تقول : بأنها غير واجبة ، وإنما قلت : لا جناح في ذلك ، ليطابق جوابك السؤال ، وقد دلت قرينتان على أنه ليس المراد رفع الجناح عمن لم يسع بين
الصفا والمروة .
الأولى منهما : أن الله قال في أول الآية :
إن الصفا والمروة من شعائر الله وكونهما من شعائر الله ، لا يناسبه تخفيف أمرهما برفع الجناح عمن لم يطف بينهما ، بل المناسب لذلك تعظيم أمرهما ، وعدم التهاون بهما ، كما أوضحناه في أول هذا المبحث .
والقرينة الثانية : هي أنه لو أراد ذلك المعنى لقال : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، كما قالت
عائشة لعروة ، وقد تقرر في الأصول : أن اللفظ الوارد جوابا لسؤال لا مفهوم مخالفة له ; لأن المقصود به مطابقة الجواب للسؤال ، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق ، وقد أوضحنا هذا في سورة البقرة في الكلام على آية الطلاق ، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما يمنع اعتبار دليل الخطاب ، أعني مفهوم المخالفة :
أو جهل الحكم أو النطق انجلب للسؤل أو جرى على الذي غلب
ومحل الشاهد منه قوله : أو النطق انجلب ، للسؤل .
ومعنى ذلك : أن
المنطوق إذا كان جوابا لسؤال فلا مفهوم مخالفة له ; لأن المقصود بلفظ المنطوق مطابقة الجواب للسؤال ، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق .
فإن قيل : جاء في بعض قراءات الصحابة : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
وابن المنذر وغيرهما ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم .
فالجواب من وجهين :
الأول : أن هذه القراءة لم تثبت قرآنا لإجماع الصحابة على عدم كتبها في المصاحف العثمانية ، وما ذكره الصحابي على أنه قرآن ، ولم يثبت كونه قرآنا . ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يستدل به على شيء ، وهو مذهب
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ووجهه أنه لما لم يذكره إلا لكونه قرآنا ، فبطل كونه قرآنا بطل من أصله ، فلا يحتج به على شيء ، وقال بعض أهل العلم : إذا بطل كونه قرآنا لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد ، التي ليست بقرآن ، فعلى القول الأول : فلا إشكال ، وعلى الثاني : فيجاب عنه بأن القراءة
[ ص: 430 ] المذكورة تخالف القراءة المجمع عليها المتواترة ، وما خالف المتواتر المجمع عليه إن لم يمكن الجمع بينهما فهو باطل ، والنفي والإثبات لا يمكن الجمع بينهما لأنهما نقيضان .
الوجه الثاني : هو ما ذكره
ابن حجر في الفتح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي ، من أن قراءة : أن لا يطوف بهما محمولة على القراءة المشهورة ، ولا زائدة . انتهى . ولا يخلو من تكلف كما ترى .
واعلم أن قوله تعالى :
ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم [ 2 \ 158 ] لا دليل فيه ، على أن السعي تطوع ، وليس بفرض ; لأن التطوع المذكور في الآية راجع إلى نفس الحج والعمرة ، لا إلى السعي ; لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع ، والعلم عند الله تعالى .
وأما حجة من قال : السعي واجب يجبر بدم ، فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما فدل ذلك على أن الطواف بينهما نسك ، وفي الأثر المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : من ترك نسكا فعليه دم . وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح .