فروع تتعلق بهذه المسألة
الفرع الأول : اعلم أن جمهور العلماء على أن السعي لا تشترط له طهارة الحدث ، ولا الخبث ، ولا ستر العورة ، فلو
سعى ، وهو محدث أو جنب ، أو سعت امرأة وهي حائض ، فالسعي صحيح ، ولا يبطله ذلك ، وممن قال به الأئمة الأربعة ، وجماهير أهل العلم ، وقال
الحسن : إن كان قبل التحلل تطهر وأعاد السعي ، وإن كان بعده ، فلا شيء عليه ، وذكر بعض الحنابلة رواية عن الإمام
أحمد : أن الطهارة في السعي ، كالطهارة في الطواف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني : ولا يعول عليه ، والطهارة في السعي مستحبة عند كثير من أهل العلم ، وهو مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ، وغيرهم . وحجة الجمهور على أن السعي لا تشترط له الطهارة : هي ما تقدم من حديث
عائشة المتفق عليه ، وقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور : أن تفعل كل ما يفعله الحاج ، وهي حائض إلا الطواف بالبيت خاصة . وهو دليل على أن السعي لا تشترط له الطهارة خلافا لمن قال : لا دليل في الحديث ، لأن السعي لا يصح إلا بعد طواف ، والحيض مانع من الطواف ، وهو مردود بأن النفي والإثبات نص في أن غير الطواف يصح من الحائض ويدخل فيه السعي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في المغني : قال
أبو داود : سمعت
أحمد ، يقول : إذا طافت المرأة
[ ص: 431 ] بالبيت ، ثم حاضت سعت بين
الصفا والمروة ثم نفرت . وروي عن
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة أنهما قالتا : إذا طافت المرأة
بالبيت ، وصلت ركعتين ، ثم حاضت فلتطف
بالصفا والمروة ، رواه
الأثرم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة أيضا : ولأن ذلك عبادة لا تتعلق
بالبيت ، فأشبهت الوقوف . انتهى منه .
وقال أيضا في المغني : ولا يشترط أيضا الطهارة من النجاسة ولا الستارة للسعي ; لأنه إذا لم تشترط له الطهارة من الحدث وهي آكد فغيرها أولى .
الفرع الثاني : اعلم أن جمهور أهل العلم
يشترطون في السعي الترتيب ، وهو أن يبدأ
بالصفا ، ويختم
بالمروة ، فإن بدأ
بالمروة لم يعتد بذلك الشوط ، وممن قال باشتراط الترتيب :
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ، وأصحابهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
وداود ، وجمهور العلماء ، وعن
أبي حنيفة خلاف في ذلك .
قال صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، في فقه الإمام
أبي حنيفة رحمه الله : ولو بدأ من المروة لا يعتد بالأولى لمخالفته الأمر . انتهى منه .
وقال الشيخ
شهاب الدين أحمد الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق المذكور : قوله : ولو بدأ بالمروة لا يعتد بالأولى . وفي مناسك
الكرماني : إن الترتيب فيه ليس بشرط عندنا ، حتى لو بدأ
بالمروة ، وأتى
الصفا جاز ويعتد به ، ولكنه مكروه لترك السنة . فتستحب إعادة ذلك الشوط .
قال
السروجي رحمه الله في الغاية : ولا أصل لما ذكره
الكرماني .
وقال
الرازي في أحكام القرآن : فإن بدأ بالمروة قبل
الصفا لم يعتد بذلك في الرواية المشهورة عن أصحابنا ، وروي عن
أبي حنيفة أنه ينبغي له أن يعيد ذلك الشوط ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه ، وجعله بمنزلة ترك الترتيب في أعضاء الطهارة ا هـ . فقول
السروجي : لا أصل لما قاله
الكرماني ; فيه نظر . انتهى منه .
وحجة الجمهور في اشتراط الترتيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007423أبدأ بما بدأ الله به " ، وفي رواية عند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008668فابدءوا بما بدأ الله به " بصيغة الأمر ، ومع ذلك فقد قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444خذوا عني مناسككم " ، فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا الابتداء بما بدأ الله به ، وفعله صلى الله عليه وسلم عملا بالقرآن العظيم .
الفرع الثالث : اعلم أن جمهور أهل العلم على أن السعي لا يصح ، إلا بعد طواف ،
[ ص: 432 ] فلو
سعى قبل الطواف لم يصح سعيه ، عند الجمهور ، منهم الأئمة الأربعة ، ونقل
الماوردي وغيره الإجماع عليه . قال
النووي في شرح المهذب : وحكى
ابن المنذر ، عن
عطاء ، وبعض أهل الحديث : أنه يصح ، وحكاه أصحابنا عن
عطاء ،
وداود وحجة الجمهور : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسع في حج ، ولا عمرة إلا بعد الطواف ، وقد قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم " فعلينا أن نأخذ ذلك عنه ، واحتج من قال بصحة السعي قبل الطواف بما رواه
أبو داود في سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا
جرير عن
الشيباني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة ، عن
أسامة بن شريك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008669خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه ، فمن قال : يا رسول الله سعيت ، قبل أن أطوف ، أو قدمت شيئا ، أو أخرت شيئا ، فكان يقول : لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم ، وهو ظالم له ، فذلك الذي حرج وهلك . انتهى منه . وهذا الإسناد صحيح ، ورجاله كلهم ثقات معروفون .
وجرير المذكور فيه هو
ابن عبد الحميد بن قرط الضبي ، أبو عبد الله الرازي القاضي ،
والشيباني المذكور فيه : هو
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الكوفي ، ورجال هذا الإسناد كلهم مخرج لهم في الصحيحين إلا الصحابي ، الذي هو
أسامة بن شريك . وقد أخرج عنه أصحاب السنن ، وروى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة المذكور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16597وعلي بن الأقمر ، خلافا لمن قال : لم يرو عنه إلا زياد المذكور ، كما ذكره في تهذيب التهذيب عن
الأزدي ،
وسعيد بن السكن ،
والحاكم ، وغيرهم ، وهذا الحديث الصحيح يقتضي صحة السعي قبل الطواف ، وجماهير أهل العلم على خلافه ، وأنه لا يصح السعي ، إلا مسبوقا بالطواف .
قال
النووي في شرح المهذب : في حديث
أسامة بن شريك هذا بعد أن ذكر صحة الإسناد المذكور ، وهذا الحديث محمول على ما حمله عليه
الخطابي وغيره ، وهو أن قوله : سعيت قبل أن أطوف ؛ أي : سعيت بعد طواف القدوم ، وقبل طواف الإفاضة والله تعالى أعلم انتهى منه .
فقوله : قبل أن أطوف يعني : طواف الإفاضة الذي هو ركن ، ولا ينافي ذلك أنه سعى بعد طواف القدوم الذي هو ليس بركن .
الفرع الرابع : اعلم أن جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة :
مالك ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهم ، على أنه يشترط في صحة السعي ، أن
يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة في كل شوط ، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه ، وقد قدمنا مذهب
أبي حنيفة في السعي ، وأنه لو تركه كله أو ترك أربعة أشواط منه فأكثر لصح حجه ، وعليه
[ ص: 433 ] دم وأنه إن ترك منه ثلاثة أشواط فأقل لزمه عن كل شوط نصف صاع ، وحجة الجمهور أن المسافة للسعي محددة من الشارع ، فالنقص عن الحد مبطل كما هو ظاهر ، وحجة
أبي حنيفة ، ومن وافقه
nindex.php?page=showalam&ids=16248كطاوس هي تغليب الأكثر على الأقل ، مع جبر الأقل بالصدقة ، ولا أعلم مستندا من النقل للتفريق بين الأربعة والثلاثة ، ولا لجعل نصف الصاع مقابل الشوط . والعلم عند الله تعالى .
الفرع الخامس : اعلم أنه لا يجوز
السعي في غير موضع السعي ، فلو كان يمر من وراء المسعى ، حتى يصل إلى
الصفا والمروة من جهة أخرى لم يصح سعيه ، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم : أنه لو انحرف عن موضع السعي انحرافا يسيرا أنه يجزئه . والظاهر أن التحقيق خلافه وأنه لا يصح السعي إلا في موضعه .
الفرع السادس : اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم دليلا : أنه
لو سعى راكبا أو طاف راكبا أجزأه ذلك ، لما قدمنا في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع بالبيت ، وبين
الصفا والمروة ، وهو على راحلته ، ومعلوم أن من أهل العلم من يقول : لا يجزئه السعي ، ولا الطواف راكبا إلا لضرورة ومنهم : من منع الركوب في الطواف ، وكرهه في السعي إلا لضرورة ، ومنهم من يقول : إن ركب ولم يعد سعيه ماشيا ، حتى رجع إلى وطنه فعليه الدم . والأظهر هو ما قدمنا . لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ، وسعى راكبا ، وهو صلوات الله وسلامه عليه لا يفعل إلا ما يسوغ فعله ، وقد قال لنا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444خذوا عني مناسككم " والذين قالوا : إن الطواف والسعي يلزم فيهما المشي . قالوا : إن ركوبه لعلة وبعضهم يقول : هي كونه مريضا كما جاء في بعض الروايات ، وبعضهم يقول : هي أن يرتفع ، ويشرف حتى يراه الناس ويسألوه ، وبعضهم يقول : هي كراهيته أن يضرب عنه الناس ، وقد قدمنا الروايات بذلك في صحيح
مسلم ، ففي حديث
جابر عند مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008670طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه ، لأن يراه الناس وليشرف ، وليسألوه فإن الناس قد غشوه . وفي رواية في صحيح
مسلم عن
جابر رضي الله ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008632طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس ، وليشرف ، وليسألوه فإن الناس قد غشوه . وفي صحيح
مسلم من حديث
عائشة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008671طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن ، كراهية أن يضرب عنه الناس .