[ ص: 3 ] المسألة الثانية عشرة في التلبية في بيان أول وقتها ووقت انتهائها وفي حكمها وكيفية لفظها ومعناها :
أما لفظها : فقد ثبت في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، من حديث
عائشة - رضي الله عنها -
ومسلم من حديث
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=1008764أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في تلبيته ، إذا أهل محرما " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عائشة المذكورة إلى قوله : " إن الحمد والنعمة لك " وقد أجمع المسلمون على
لفظ التلبية المذكورة في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتفق عليه .
وحديث
جابر عند
مسلم ، عند الإحرام بالحج أو العمرة . ولكن اختلفوا في الزيادة عليه بألفاظ فيها تعظيم الله ، ودعاؤه ، ونحو ذلك فكره بعضهم : الزيادة ، على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن
مالك قال : وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، انتهى منه بواسطة نقل
ابن حجر في " الفتح " .
وقال آخرون : لا بأس بالزيادة المذكورة ، واستحب بعضهم الزيادة المذكورة .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي في هذه المسألة : أن الأفضل هو الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتصار على لفظ تلبيته الثابت في الصحيحين وغيرهما ; لأن الله تعالى يقول :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم " وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها . والدليل على ذلك من وجهين :
أحدهما : ما رواه
مسلم في صحيحه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - بعد أن ساق حديثه بلفظ تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكورة قال : قال
نافع : كان
عبد الله - رضي الله عنه - يزيد مع هذا : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك ، والرغباء إليك ، والعمل . وقال
مسلم [ ص: 4 ] - رحمه الله - في صحيحه أيضا بعد أن ساق حديثه ، بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر من رواية ابنه
سالم - رضي الله عنه - وكان
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يقول : كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك والرغباء إليك والعمل . ، ا هـ .
وقال
ابن حجر في " الفتح " بعد أن ذكر الرواية عن
عمر وابنه
عبد الله ، فعرف أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه ، ا هـ .
ومعلوم أن
الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان فيها محذور ، لما فعلها أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وابنه
عبد الله - رضي الله عنهما - .
الوجه الثاني : هو ما ثبت في صحيح
مسلم في حديث
جابر الطويل ، فإن فيه ما نصه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008765فأهل بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئا منه . انتهى محل الغرض من حديث
جابر المذكور ، وهو واضح في أنهم يزيدون على تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ويقرهم على ذلك ، ولم ينكره عليهم كما ترى .
وأما
أول وقتها : فأظهر أقوال أهل العلم فيه : أنه أول الوقت ، الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير لصحة الأحاديث الواردة ، بأنه - صلى الله عليه وسلم - أهل حين استوت به راحلته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة : حدثنا
أبو عاصم ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16214صالح بن كيسان ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - : قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008766أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استوت به راحلته قائما .
باب الإهلال مستقبل القبلة ، وقال
أبو معمر : حدثنا
عبد الوارث ، حدثنا
أيوب ، عن
نافع قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - : إذا صلى بالغداة
بذي الحليفة ، أمر براحلته فرحلت ، ثم ركب ، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ، ثم يلبي حتى يبلغ الحرم ، ثم يمسك ، حتى إذا جاء ذا طوى بات به ، حتى يصبح ، فإذا صلى الغداة اغتسل ، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك . تابعه
إسماعيل عن
أيوب في الغسل : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14430سليمان بن داود أبو الربيع ، حدثنا
فليح ، عن
نافع قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008767كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ، ليس له رائحة طيبة ، ثم يأتي مسجد الحليفة ، فيصلي ثم يركب ، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ، ثم قال : هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل . انتهى من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
[ ص: 5 ] فهذه الروايات الصحيحة الثابتة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - : أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم حين استوت به راحلته قائمة واضحة فيما ذكرنا ، من أن أول وقت الإحرام عندما يركب حالة شروعه في السير من الميقات .
وقال
مسلم في صحيحه : حدثنا
يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله أنه سمع أباه - رضي الله عنه - يقول : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008768ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد يعني : ذا الحليفة . وحدثناه
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15667حاتم يعني : ابن إسماعيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
سالم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008769كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا قيل له : الإحرام من البيداء قال : البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة ، حين قام به بعيره . وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر - رضي الله عنهما - عند مسلم : فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل حتى تنبعث به راحلته . وفي لفظ له أيضا عند مسلم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع رجله في الغرز ، وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة . وفي
مسلم عنه ألفاظ أخرى متعددة بهذا المعنى ، ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - بكذبهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإحرام من
البيداء هو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008770فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته ، حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه . الحديث ، وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك بلفظ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008546صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها ، حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به على البيداء : حمد الله وسبح ، وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما ، الحديث . ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل محرما حين استوت به راحلته قائمة من منزله
بذي الحليفة ، قبل أن يصل
البيداء ، ووجه الجمع بين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأنس معروف عند أهل الحديث ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ إهلاله حين استوت به راحلته قائمة فسمعه قوم ، ثم لما استوت به على
البيداء أعاد تلبيته فسمعه آخرون لم يسمعوا تلبيته الأولى فحدث كل واحد منهم بما سمع .
وقال بعضهم : أحرم في مصلاه فسمعه بعضهم ، ولم يسمعه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، حتى استوت به راحلته ، وجزم
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه ما أهل حتى استوت به راحلته يدل على أنه علم أنه لم يهل حتى استوت به ، فالأحاديث متفقة ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بالإنكار والتكذيب خاص بمن زعم أنه
[ ص: 6 ] لم يلب قبل وصوله
البيداء ، وهذا الجمع ذكره
ابن حجر ، عن
أبي داود ،
والحاكم ، وقال
ابن حجر في " الفتح " : فائدة
البيداء هذه فوق علمي
ذي الحليفة ، لمن صعد من الوادي ، قاله
أبو عبيد البكري وغيره . انتهى منه .
وإذا عرفت مما ذكرنا أول وقت التلبية ، وأنه وقت انعقاد الإحرام ، فاعلم أن الصحيح الذي قام عليه الدليل : أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يشرع في رمي جمرة
العقبة ، وقال بعض أهل العلم : حتى ينتهي رميه إياها .
والدليل على أن هذا القول هو الصواب دون غيره من أقوال أهل العلم هو ما ثبت في صحيح
مسلم من
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008771حديث nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - وكان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من مزدلفة إلى منى ، ففي لفظ
لمسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008772أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة . وقوله في هذا الحديث الصحيح : حتى بلغ الجمرة ، هو حجة من قال : يقطع التلبية ، عند الشروع في الرمي ; لأن بلوغ الجمرة هو وقت الشروع في الرمي . وفي لفظ
مسلم ، عن
الفضل أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008773أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة " وقوله في هذا الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008774حتى رمى جمرة العقبة " هو حجة من قال : يلبي حتى ينتهي رميه ، وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - من طريق
عبد الله بن يزيد قال : قال
عبد الله : ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " ، يقول في هذا المقام : " لبيك اللهم لبيك " وجمع هي
المزدلفة . وهذا الحديث الصحيح يدل على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -
بمزدلفة بعد الرجوع من
عرفة ، وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود عند
مسلم أيضا : قال
عبد الله : أنسي الناس أم ضلوا سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " يقول في هذا المكان : " لبيك اللهم لبيك " وفي لفظ عنه أيضا عند
مسلم ، من رواية
عبد الرحمن بن يزيد nindex.php?page=showalam&ids=13705والأسود بن يزيد قالا : سمعنا
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود يقول بجمع : سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " هاهنا يقول " لبيك اللهم لبيك " ثم لبى ولبينا معه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : فهذه النصوص الصحيحة ، تدل على عدم قطع التلبية ، والأظهر أنه يقطعها عند الشروع في رمي
العقبة ، وأن رواية
مسلم : حتى رمى جمرة
العقبة ، يراد به الشروع في رميها ، لا الانتهاء منه .
ومن القرائن الدالة على ذلك : ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة ، فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير ، مع الحصاة لتتابع رمي الحصيات .
[ ص: 7 ] قال
الزرقاني في " شرح الموطأ " ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114ولابن خزيمة عن
الفضل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008775أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة : حديث صحيح مفسر لما أبهم في الرواية الأخرى ، وأن المراد بقوله : حتى رمى جمرة
العقبة ، أتم رميها ، ا هـ . وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا ينبغي العدول عنها .
وإذا علمت الصحيح الذي دلت عليه النصوص ، فاعلم أن في
وقت انتهاء الرمي مذاهب للعلماء غير ما ذكرنا . فقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ،
وعائشة : أنه يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف ، وعن
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة : أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم
عرفة ، وهذا قريب من قول
سعد وعائشة ، وكان
الحسن يقول : يلبي حتى يصلي الغداة يوم
عرفة ، ومذهب
مالك أنه يقطعها إذا زاغت الشمس من يوم
عرفة ، وقد روى
مالك - رحمه الله - في " الموطأ " عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يلبي بالحج ، حتى إذا زاغت الشمس من يوم
عرفة ، قطع التلبية . قال
مالك : وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، ا هـ . وروى
مالك في " الموطأ " أيضا عن
عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن
عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف ، وروي في " الموطأ " أيضا عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم . حتى يطوف بالبيت . وبين
الصفا والمروة . ثم يلبي حتى يغدو من
منى إلى
عرفة . فإذا غدا ترك التلبية . وكان يترك في العمرة ، إذا دخل الحرم ، ا هـ .
والتحقيق أنه لا يقطعها ، إلا إذا رمى جمرة
العقبة ؛ لدلالة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس الثابت في الصحيح على ذلك دلالة واضحة ، ودلالة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الثابت في الصحيح على تلبية النبي
بمزدلفة أيضا ، ولم يثبت في كتاب الله ، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يخالف ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
وأما
حكم التلبية فقد اختلف فيه أهل العلم اختلافا معروفا ، قال
ابن حجر في " فتح الباري " : لم يتعرض المصنف لحكم التلبية ، وفيها مذاهب أربعة ، يمكن توصيلها إلى عشرة .
الأول : أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد .
ثانيها : واجبة ، ويجب بتركها دم حكاه
الماوردي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة من
الشافعية ،
[ ص: 8 ] وقال : إنه وجد
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي نصا يدل عليه ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة عن بعض المالكية ،
والخطابي عن
مالك وأبي حنيفة . وأغرب
النووي فحكى عن
مالك أنها سنة ، ويجب بتركها دم ، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن
ابن الجلاب قال : التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة ، وقال
ابن التين : يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ، ولذلك يجب بتركها الدم ، ولو لم تكن واجبة لم يجب ، وحكى
ابن العربي : أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم ، وهذا قدر زائد على أصل الوجوب .
ثالثها : واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج ، كالتوجه على الطريق ، وبهذا صدر
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس من المالكية كلامه في الجواهر له ، وحكى صاحب الهداية من الحنفية مثله ، لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر ، كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين ، وقال
ابن المنذر : قال أصحاب الرأي : إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام ، فهو محرم .
رابعها : أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ،
وأبي حنيفة ،
وابن حبيب من المالكية ،
والزبير من الشافعية ،
وأهل الظاهر قالوا : هي نظيرة تكبيرة الإحرام للصلاة ، ويقويه ما تقدم من بحث
ابن عبد السلام ، عن حقيقة الإحرام ، وهو قول
عطاء ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه ، قال : التلبية فرض الحج ، وحكاه
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
وعكرمة ، وحكى
النووي عن
داود أنه لا بد من رفع الصوت بها ، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا . انتهى من " فتح الباري " .
وإذا عرفت مذاهب أهل العلم في حكم التلبية ، فاعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبى كما ذكرنا وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم " فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا التلبية ، وهذا القدر هو الذي قام عليه الدليل : أما كونها مسنونة أو مستحبة أو واجبة يصح الحج بدونها ، وتجبر بدم فكل ذلك لم يرد فيه دليل خاص ، والخير كله في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - والعلم عند الله تعالى .
وأما
معنى التلبية : فهي من لبى بمعنى : أجاب ، فلفظة : لبيك مثناة على قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والجمهور ، وتثنيتها للتكثير : أي إجابة لك بعد إجابة ، ولزوما لطاعتك ، وقال
يونس بن حبيب البصري : لبيك : اسم مفرد لا مثنى ، قال : وإنما انقلبت ألفه ياء لاتصالها بالضمير ، كما قلبت ألف لدى ، وإلى ، وعلى في حالة الاتصال بالضمير فتقول : لديك ، وإليك وعليك بإبدال الألف ياء ، والأظهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وجمهور أهل اللغة .
ومما يدل على ذلك أنه سمع في كلام العرب ثبوت الياء مع الإضافة للاسم الظاهر
[ ص: 9 ] لا الضمير كما في قول الشاعر ، وهو أعرابي من
بني أسد :
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسور
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : ثنوا لبيك كما ثنوا حنانيك : أي تحننا بعد تحنن ، وقال القاضي
عياض : اختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها ، فقيل معناها : اتجاهي وقصدي إليك ، مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك أي تواجهها ، وقيل معناها محبتي لك مأخوذ من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه ، وقيل معناها : إخلاصي لك مأخوذ من قولهم : حب لباب ، إذا كان خالصا محضا ، ومن ذلك لب الطعام ولبابه ، وقيل معناها : أنا مقيم على طاعتك ، وإجابتك مأخوذ من قولهم : لب الرجل بالمكان ، وألب به إذا أقام فيه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري :
وبهذا قال
الخليل . وقيل في لبيك : أي قربا منك ، وطاعة ، والإلباب : القرب ، وقال أبو نصر معناه : أنا ملب بين يديك أي : خاضع . انتهى كلام
عياض ، مع تصرف وحذف يسير بواسطة نقل
النووي في " شرح
مسلم " ، وما قاله الشيخ
عياض - رحمه الله - يدور حوله كلام أهل اللغة في معنى التلبية ، وبقية ألفاظ التلبية معانيها ظاهرة .
واعلم أن لفظة لبيك ملازمة للإضافة لضمير المخاطب ، وشذ إضافتها للظاهر ; كما تقدم قريبا ، وشذ أيضا إضافتها لضمير الغائب كقول الراجز : إنك لو دعوتني ودوني زوراء ذات متزع بيون لقلت لبيه لمن يدعوني .