تنبيهان
الأول : في ذكر أشياء مما ذكر وردت فيها نصوص ، وتفصيل ذلك : فمن ذلك العصفر وقد رأيت في النقول التي ذكرنا من قال من أهل العلم : بأنه ليس بطيب ، وأنه لا بأس بلبس المحرم له ، وقد قدمنا فيه حديث
أبي داود المصرح بأنه لا بأس بلبس النساء له ، وهن محرمات ، وفيه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، وقد صرح فيه بالسماع ، فعلم أنه لم يدلس فيه إلى آخر ما قدمنا فيه ، والظاهر بحسب الدليل : أن المعصفر لا يجوز لبسه ، وإن جوزه كثير من أجلاء العلماء من الصحابة ومن بعدهم ; لأن السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق بالاتباع .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام ، حدثني أبي عن
يحيى ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم بن الحارث : أن
ابن معدان أخبره : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، أخبره قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008840رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين ، فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " ، ا هـ .
[ ص: 74 ] وابن معدان المذكور : هو
خالد كما ثبت في صحيح
مسلم بعد الحديث المذكور مباشرة ، وفي لفظ
مسلم بإسناد غير الأول ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008841رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين ، فقال : " أأمك أمرتك بهذا " ؟ قلت : أغسلهما قال : " بل أحرقهما " .
وقال
مسلم في صحيحه أيضا : حدثنا
يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على
مالك ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12379إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008842أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نهى عن لبس القسي ، والمعصفر ، وعن تختم الذهب ، وعن قراءة القرآن في الركوع " وفي لفظ
لمسلم ، عن
علي - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008843نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة وأنا راكع ، وعن لبس الذهب ، والمعصفر " وفي لفظ
لمسلم عنه أيضا - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008844نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التختم بالذهب ، وعن لباس القسي ، وعن القراءة في الركوع والسجود ، وعن لباس المعصفر " انتهى منه .
فهذا الحديث الثابت في صحيح
مسلم ، وغيره عن صحابيين جليلين ، وهما
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - صريح في منع لبس المعصفر مطلقا ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003083إنهما من ثياب الكفار ، فلا تلبسهما " صريح في منع لبسهما ; لأن النهي يقتضي التحريم كما تقرر في الأصول ، ويؤيد ذلك هنا أنه رتب النهي عنهما على أنهما من ثياب الكفار ، وهذا دليل واضح على
منع لبس المعصفر مطلقا في الإحرام وغيره . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008845بل أحرقهما " فهو دليل واضح على منع لبسهما ; لأن لبس الجائز لبسه ، لا يستوجب الإحراق بحال ، فهو نص في منع المعصفر مطلقا ، وقول
علي - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008846نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي والمعصفر ، وعن تختم الذهب " الحديث . دليل أيضا على منع لبس المعصفر مطلقا ; لأن النهي يقتضي التحريم ، إلا لدليل صارف عنه ، وليس موجودا ، ويؤيده أنه قرنه بالتختم بالذهب ، وهو ممنوع ، وما زعمه بعض أهل العلم : من أن رواية
علي المذكورة آنفا في
مسلم : " نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : تدل على اختصاص هذا الحكم
بعلي ; لأنه قال : نهاني بياء المتكلم في الرواية المذكورة ، مردود من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه - صلى الله عليه وسلم - بين في حديث
ابن عمرو عموم هذا الحكم ، حيث قال
لعبد الله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003084إن هذا من ثياب الكفار ، فلا تلبسهما " وهذا صريح في عدم اختصاص هذا الحكم
بعلي - رضي الله عنه - .
الوجه الثاني : أنه ثبت في صحيح
مسلم ، عن
علي - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008846أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 75 ] نهى عن لبس القسي ، والمعصفر وعن تختم الذهب ، بحذف مفعول نهى ، وحذف المفعول في ذلك ، يدل على عموم الحكم على التحقيق كما حرره
القرافي في شرح التنقيح من أن مثل نهى - صلى الله عليه وسلم - عن كذا صيغة عموم بما لا يدع مجالا للشك ؟ وممن انتصر لذلك :
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وغيره ، واختاره
الفهري .
والحاصل : أن التحقيق في مثل
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008847نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر وقضى بالشفعة ، وقضى بالشاهد واليمين ونحو ذلك : أنه يعم كل غرر وكل شفعة ، وكل شاهد ، ويمين ، وإن خالف في ذلك كثير من الأصوليين ، كما حررنا أدلة الفريقين ، وناقشناها في غير هذا الموضع .
الوجه الثالث : أن رواية " نهاني " التي احتج بها مدعي اختصاص هذا الحكم
بعلي : تدل أيضا على عموم الحكم ; لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لواحد من أمته يعم حكمه جميع الأمة لاستوائهم في أحكام التكليف ، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه ، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد ، هل هو من صيغ العموم الدالة على عموم الحكم ، خلاف في حال لا خلاف حقيقي ، فخطاب الواحد عند
الحنابلة صيغة عموم ، وعند غيرهم من
الشافعية ،
والمالكية وغيرهم : أن خطاب الواحد لا يعم ; لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره ، وإذا كان لا يشمله وضعا ، فلا يكون صيغة عموم ، ولكن أهل هذا القول موافقون : على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره لكن بدليل آخر غير خطاب الواحد ، وذلك الدليل بالنص والقياس . أما القياس فظاهر ; لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي والنص ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008848إني لا أصافح النساء ، وما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة " .
قالوا : ومن أدلة ذلك حديث : "
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " .
قال
ابن قاسم العبادي في الآيات البينات : اعلم أن حديث : "
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " لا يعرف له أصل بهذا اللفظ ، ولكن روى
الترمذي وقال : حسن صحيح ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، قوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008850إني لا أصافح النساء " وساق الحديث كما ذكرناه .
وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الألباس ، عما اشتهر من الأحاديث ، على ألسنة الناس : "
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " ، وفي لفظ : "
كحكمي على الجماعة " ليس له أصل بهذا اللفظ ، كما قال
العراقي : في تخريج أحاديث
البيضاوي .
[ ص: 76 ] وقال في الدرر
كالزركشي لا يعرف ، وسئل عنه
المزي ،
والذهبي فأنكراه . نعم يشهد له ما رواه
الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
أميمة بنت رقيقة ، فلفظ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008852ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة " ولفظ
الترمذي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008853إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة " وهو من الأحاديث التي ألزم
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني الشيخين بإخراجها ; لثبوتها على شرطهما .
وقال
ابن قاسم العبادي في شرح الورقات الكبير : "
حكمي على الجماعة " ، لا يعرف له أصل ، إلى آخره قريبا مما ذكرنا عنه ، ا هـ .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الحديث المذكور ثابت من حديث
أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرا : وهي صحابية من المبايعات ، ورقيقة أمها : وهي أخت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد . وقيل عمتها واسم أبيها
بجاد بموحدة ، ثم جيم ابن عبد الله بن عمير التيمي تيم بن مرة ، وأشار إلى ذلك في " المراقي " بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبلي من غير رعي النص والقيس الجلي
وبهذا كله تعلم أن التحقيق منع لبس المعصفر ، وظاهر النصوص الإطلاق : أي سواء كان في الإحرام ، أو غيره كما رأيت ، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث التي ذكرناها في صحيح
مسلم ، الدالة على منع لبس المعصفر مطلقا ، وبين حديث
أبي داود المتقدم الدال على إباحته للنساء في الإحرام ، بأن أحاديث المنع إنما هي بالنسبة للرجال ، وحديث الجواز بالنسبة إلى النساء ، فيكون ممنوعا للرجال جائزا للنساء ، وتتفق الأحاديث .
وممن اعتمد هذا الجمع
الترمذي في سننه حيث قال : باب ما جاء في كراهة المعصفر للرجال : حدثنا
قتيبة ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12379إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن
علي - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008854نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي والمعصفر " وفي الباب عن
أنس ،
وعبد الله بن عمرو ، وحديث
علي : حديث حسن صحيح ، انتهى منه . فتراه في ترجمة الحديث جعله خاصا بالرجال ، وهو عين الجمع الذي ذكرنا ، وأشار
النووي في شرح
مسلم : إلى أن الجمع المذكور يشير إليه الحديث الصحيح عند
مسلم ، وذلك في قوله : أعني
النووي قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008855أأمك أمرتك بهذا " معناه : أن هذا من لباس النساء ، وزيهن ، وأخلاقهن . انتهى محل الغرض منه .
[ ص: 77 ] وتفسيره للحديث : يدل على أن الحديث فيه
تحريم المعصفر على الرجال دون النساء .
ويدل لهذا الجمع ما رواه
أبو داود في سننه : حدثنا
مسدد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17239هشام بن الغاز ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008856هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال : " ما هذه الريطة عليك ؟ " فعرفت ما كره فأتيت أهلي ، وهم يسجرون تنورا لهم فقذفتها فيه ، ثم أتيته من الغد فقال : " يا عبد الله ما فعلت الريطة ؟ " فأخبرته فقال : ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس به للنساء " انتهى من سنن
أبي داود ، وهو صريح في الجمع المذكور ، وهذا الإسناد لا يقل عن درجة الحسن ، وهذا الحديث أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه : حدثنا
أبو بكر ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17239هشام بن الغاز إلى آخر الإسناد ، ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008857أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية أذاخر ، فالتفت إلي وعلي ريطة ، إلى آخر الحديث . كلفظ
أبي داود ، ا هـ .
وجمع الخطابي بين الأحاديث : بأن النهي فيما صبغ من الثياب بعد النسج ، وأن الإباحة منصرفة إلى ما صبغ غزله ، ثم نسج نقل هذا الجمع
النووي في " شرح
مسلم " عن
الخطابي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذا الجمع فيه نظر ; لأنه تحكم ، والظاهر أن العصفر ليس بطيب ، فأبيح للنساء ومنع للرجال ، كالحرير وخاتم الذهب . والله تعالى أعلم .
فاتضح أن الظاهر بحسب الدليل أن المعصفر : لا يحل لبسه للرجال ، ويحل للنساء ; لأن ظاهر أحاديث النهي عنه العموم ، وكونه من ثياب الكفار قرينة على التعميم ، إلا أن أحاديث النهي تخصص بالأحاديث المتقدمة المصرحة ، بجوازه للنساء كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عند
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وحديث
الترمذي وما فسر به
النووي حديث
مسلم وحديث
أبي داود المتقدم الذي فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، وكونه من ثياب الكفار : لا ينافي أن ذلك بالنسبة للرجال . دون النساء ، كما قال في الذهب والفضة والديباج والحرير : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008858إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " مع إباحتها للنساء .
والذين أباحوا لبس المعصفر للرجال والنساء معا ، احتجوا بما ذكره
النووي في " شرح
مسلم " قال : ثبت أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008859النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس حلة حمراء .
[ ص: 78 ] وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008860رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة " انتهى منه فانظره .
والذين منعوه للرجال دون النساء استدلوا بالأحاديث المذكورة المصرحة بإباحته للنساء ، وعضدوا الأحاديث المذكورة بآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - فمن ذلك ما رواه
مالك في " الموطأ " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أمه
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - : أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات ، وهي محرمة ليس فيها زعفران . انتهى محل الغرض منه .
وقال شارحه
الزرقاني : وكذلك جاء عن أختها . روى
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد قال : كانت
عائشة - رضي الله عنها - تلبس الثياب المعصفرة ، وهي محرمة . إسناده صحيح انتهى منه .
وروى
البيهقي بإسناده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر نحو رواية
مالك في " الموطأ " عنها ثم قال : هكذا رواه
مالك ، وخالفه
أبو أسامة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15667وحاتم بن إسماعيل ،
nindex.php?page=showalam&ids=13608وابن نمير فرووه عن
هشام ، عن
فاطمة ، عن
أسماء ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج . انتهى من السنن الكبرى .
وقال
البيهقي : وروينا عن
نافع أن نساء
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كن يلبسن المعصفر ، وهن محرمات ، ثم ذكر عن
أبي داود في المراسيل : أن
مكحولا قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008861جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوب مشبع بعصفر ، فقالت : يا رسول الله ، إني أريد الحج ، فأحرم في هذا ؟ قال : " لك غيره ؟ " قالت : لا . قال : " فأحرمي فيه " ثم ساق سنده به إلى
أبي داود ، وذكر بسنده عن
جابر أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008862لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة لا أرى المعصفر طيبا "
وروى
البيهقي بسنده عن
عائشة - رضي الله عنها - " أنها كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة " ، وقد قدمنا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير قال : كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يختضبن بالحناء ، وهن محرمات ، ويلبسن المعصفر ، وهن محرمات ، وفي إسناده
يعقوب بن عطاء .
قال في مجمع الزوائد : وثقه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، وضعفه جماعة .
وقال
أبو داود في سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17296يحيى بن أبي بكير ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان ، حدثني
بديل عن
الحسن بن مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة زوج
[ ص: 79 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008863المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ، ولا الممشقة ، ولا الحلي ، ولا تختضب " انتهى منه ، وهذا الإسناد صحيح كما ترى .
وقال صاحب الجوهر النقي في حاشيته على سنن
البيهقي ، لما أشار إلى حديث
أبي داود هذا ، وفيه دليل على أن العصفر طيب ، ولذلك نهيت عن المعصفر ، إذ لو كان النهي لكونه زينة نهيت عن ثوب العصب ; لأنه في الزينة فوق المعصفر ، والعصب برود اليمن يعصب غزلها : أي تطوى ، ثم تصنع مصبوغا ، ثم تنسج .
وفي الصحيحين : أنه - صلى الله عليه وسلم - استثنى من المنع ثوب العصب ،
والشافعية خالفت هذا الحديث .
قال
النووي : الأصح عندنا تحريم العصب مطلقا ، والحديث حجة لمن أجازه . وقال أيضا : الأصح أنه يجوز لها لبس الحرير . انتهى منه .
وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=62أم عطية ، في المتوفى عنها زوجها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008864ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ولا تمس طيبا " الحديث .
وفي صحيح البخاري : من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=62أم عطية قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008865كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج " . الحديث ، وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008866ولا تكتحل ولا تطيب ولا تلبس مصبوغا إلا ثوب عصب " الحديث .
والممشقة في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة المذكورة هي المصبوغة بالمشق بالكسر والفتح ، وهو المغرة ، والعصفر بالضم : نبات يصبغ به وبرزه هو القرطم .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي أن منع المتوفى عنها زوجها ، من لبس المعصفر المذكور ، ليس لكونه طيبا كما ظنه صاحب الجوهر النقي ، بدليل الأحاديث الدالة على المنع منه في غير الإحرام ، مع جواز الطيب لغير المحرم ، والأظهر أن المنع منه للزينة : وهي محرمة على المتوفى عنها زوجها ، دون غيرها من النساء . والعلم عند الله تعالى .
ولا يتعين كون العصب فوقه في الزينة ; لأن المتوفى عنها زوجها ممنوعة في العدة ، من الطيب ، والتزين ، فإباحة العصب لها تدل على ضعف رتبته في الزينة . والله تعالى أعلم .
ومن ذلك الحناء ، قد قدمنا اختلاف العلماء فيها ، هل هي طيب أو لا ؟ وقد قدمنا
[ ص: 80 ] آثارا تدل على أنها ليست بطيب ، وقدمنا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : أن أزواج النبي كن يختضبن بالحناء ، وهن محرمات ، وقد قدمنا أن في إسناده
يعقوب بن عطاء ، وقد روى
البيهقي بإسناده في " السنن الكبرى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008867عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قيل لها : ما تقولين في الحناء والخضاب ؟ قالت : كان خليلي لا يحب ريحه ، ثم قال
البيهقي : فيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008868فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء " انتهى منه .
وهذا حاصل مستند من قال : إن الحناء ليس بطيب ، وقال صاحب " الجوهر النقي " بعد أن ذكر كلام
البيهقي الذي ذكرنا : وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا . قال
أبو عمر في " التمهيد " : ذكر
ابن بكير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10683خولة بنت حكيم ، عن أمها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=showalam&ids=54لأم سلمة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008869لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء ، فإنه طيب " . وأخرجه
البيهقي في كتاب المعرفة ، من هذا الوجه وقد عد
nindex.php?page=showalam&ids=11991أبو حنيفة الدينوري وغيره : من أهل اللغة : الحناء من أنواع الطيب . وقال
الهروي في الغريبين : وفي الحديث : "
سيد رياحين الجنة الفاغية " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هو نور الحناء . وفي الحديث أيضا عن
أنس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008871كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الفاغية " انتهى منه . وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس . وقال
النجم ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والبيهقي ،
وأبي نعيم في الطب عن
بريدة : " سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم ، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء ، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية " انتهى محل الحاجة منه ، وقال ابن الأثير في النهاية فيه : "
سيد رياحين الجنة الفاغية ، هي نور الحناء " وقيل : نور الريحان . وقيل : نور كل نبت من أنوار الصحراء ، التي لا تزرع . وقيل : فاغية كل نبت نوره ، ومنه حديث
أنس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008872كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الفاغية " ، ا هـ .
وفي " القاموس " : والفاغية نور الحناء أو يغرس غصن الحناء مقلوبا فيثمر زهرا أطيب من الحناء ، فذلك الفاغية انتهى محل الغرض منه . ولا يخفى أن الحناء لم يثبت فيه شيء مرفوع وأكثر أنواع الطيب لم تثبت في خصوصها نصوص ، ومنها : ما ثبت بالنص كالزعفران ، والورس ، كما تقدم إيضاحه ، وكالذريرة والمسك كما سيأتي إن شاء الله . وقد قدمنا أن الذي اختلف فيه أهل العلم من الأنواع : هل هو طيب ، أو ليس بطيب ؟ أن ذلك من نوع الاختلاف في تحقيق المناط ، والعلم عند الله تعالى .