وإذا عرفت الشروط التي بها يجب دم التمتع والقران ، فاعلم أنا أردنا هنا أن نبين
ما يجزئ فيه ، فالتحقيق أنه ما تيسر من الهدي ، وأقله شاة تجزئ ضحية ، وأعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، والتحقيق أن سبع بدنة أو بقرة يكفي ، فلو اشترك سبعة من المتمتعين في بدنة أو بقرة وذبحوها أجزأت عنهم ، للنصوص الصحيحة الدالة على ذلك ; كحديث جابر الثابت في الصحيح قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008925أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " وفي لفظ
لمسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008926اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة " ، فقال رجل لجابر : أيشترك في البقرة ما يشترك في الجزور ؟ فقال : ما هي إلا من البدن .
قال
مسلم في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
مالك ( ح ) ، وحدثنا
يحيى بن يحيى . واللفظ له ، قال : قرأت على
مالك عن
أبي الزبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008927نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وفي لفظ
لمسلم عن
جابر قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008928خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة " وفي لفظ له عنه أيضا ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008929حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وفي لفظ له عنه أيضا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008930اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة ، كل سبعة في بدنة " فقال رجل لجابر : أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور ؟ قال : ما هي إلا من البدن ، وحضر
جابر الحديبية ، قال : " نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة " . وفي لفظ له عنه ، وهو يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008931فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية " ; وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم في هذا الحديث . وفي لفظ له عنه أيضا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008932كنا نتمتع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة ، عن سبعة نشترك فيها " . انتهى محل الغرض من صحيح
مسلم .
وهذه الروايات الصحيحة تدل : على أن دم التمتع يكفي فيه الاشتراك بالسبع في بدنة ، أو بقرة ، ويدل على أن ذلك داخل فيما استيسر من الهدي . أما الشاة والبدنة كاملة
[ ص: 132 ] فإجزاء كل منهما لا إشكال فيه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور ، أخبرنا
النضر ، أخبرنا
شعبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبو جمرة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - عن المتعة ؟ فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال : فيها جزور أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم . الحديث . فقوله : أو شرك في دم : يعني به ما بينته الروايات المذكورة الصحيحة . عن
جابر أن البدنة والبقرة كلتاهما تكفي عن سبعة من المتمتعين ، وقال
ابن حجر في شرح هذا الحديث : وهذا موافق لما رواه
مسلم عن
جابر قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008928خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " ، ثم قال وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور ، سواء كان الهدي تطوعا أو واجبا ، وسواء كانوا كلهم متقربين بذلك ، أو كان بعضهم يريد التقرب ، وبعضهم يريد اللحم . وعن
أبي حنيفة : يشترط في الاشتراط أن يكونوا كلهم متقربين بالهدي ، وعن
زفر مثله بزيادة : أن تكون أسبابهم واحدة ، وعن
داود وبعض المالكية : يجوز في هدي التطوع ، دون الواجب ، وعن
مالك : لا يجوز مطلقا انتهى منه .
والتحقيق أن سبع البدنة وسبع البقرة كل واحد منهما يقوم مقام الشاة ، ويدخل في عموم :
فما استيسر من الهدي ، والروايات الصحيحة التي ذكرنا حجة على كل من خالف ذلك
كمالك ومن وافقه ، وما احتج به
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل القاضي لمالك ، من أن الاشتراك في الهدي ، لا يصح من أن حديث
جابر ، إنما كان
بالحديبية ، حيث كانوا محصرين . وأن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس خالف فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبو جمرة عنه ثقات أصحابه ، فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي : شاة ، ثم ساق ذلك عنهم بأسانيد صحيحة مردودة . أما دعوى أن حديث
جابر إنما كان
بالحديبية ، حيث كانوا محصرين ، فهي مردودة ، بما ثبت في الروايات الصحيحة في
مسلم التي سقناها بألفاظها : أنهم اشتركوا الاشتراك المذكور معه - صلى الله عليه وسلم - أيضا في حجه ، ولا شك أن المراد بحجه حجة الوداع ; لأنه لم يحج بعد الهجرة حجة غيرها . وفي بعض الروايات الصحيحة ، عند
مسلم التي سقناها بألفاظها آنفا التصريح بوقوع الاشتراك في الحجة المذكورة ، كما هو واضح من ألفاظ
مسلم التي ذكرناها . وأما دعوى مخالفة
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبي جمرة في ذكره الاشتراك المذكور ثقات أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فهي مردودة أيضا ، بما ذكره
ابن حجر في " الفتح " ، حيث قال : وليس بين رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبي جمرة ، ورواية غيره منافاة ; لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك ، ووافقهم على ذكر الشاة ، وإنما أراد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر . وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا ، إلى
[ ص: 133 ] أن قال : وبهذا تجتمع الأخبار ، وهو أولى من الطعن في رواية من أجمع العلماء على توثيقه ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبو جمرة الضبعي . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان لا يرى التشريك ، ثم رجع عن ذلك لما بلغته السنة ، وذكر
ابن حجر رجوع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن ذلك ، عن
أحمد بسنده من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأظهر قولي أهل العلم عندي أن
البدنة لا تجزئ عن أكثر من سبعة ، وذكر
ابن حجر في " الفتح " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في إحدى الروايتين عنه : أنها تجزئ عن عشرة . قال : وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة من الشافعية . واحتج لذلك في صحيحه ، وقواه واحتج له
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008933أنه - صلى الله عليه وسلم - قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير " ، الحديث . وهو في الصحيحين .
وأجمعوا على أن
الشاة : لا يصح الاشتراك فيها ، وقوله : " أو شاة " هو قول جمهور العلماء . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة عنهم ، ورويا بإسناد قوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، عن
عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر : أنهما كانا لا يريان (
فما استيسر من الهدي ) : إلا من الإبل والبقر ، ووافقهما
القاسم ، وطائفة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل القاضي في الأحكام له : أظن أنهم ذهبوا إلى ذلك لقوله تعالى :
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله [ 22 \ 36 ] فذهبوا إلى تخصيص ما يقع عليه اسم البدن ، قال : ويرد هذا قوله تعالى :
هديا بالغ الكعبة [ 5 \ 95 ] وأجمع المسلمون على أن في الظبي شاة ، فوقع عليها اسم هدي .
قلت : قد احتج بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري بإسناد صحيح إلى
عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الهدي شاة . فقيل له في ذلك ، فقال : أنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تقرون به ، ما في الظبي ؟ قالوا : شاة ، قال : فإن الله يقول :
هديا بالغ الكعبة . اهـ من فتح الباري .
وقد قدمنا في سورة " البقرة " : أنه ثبت في الصحيحين ، عن
عائشة أنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007101أهدى - صلى الله عليه وسلم - مرة غنما " ، وهو نص صحيح عنها صريح في تسمية الغنم هديا كما ترى .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي أنه هو الصواب في هدي التمتع ، الذي نص الله في كتابه على أنه ما استيسر من الهدي : أنه شاة ، أو بدنة ، أو بقرة . ويكفي في ذلك سبع البدنة وسبع البقرة ، عن المتمتع الواحد ، وتكفي البدنة عن سبعة متمتعين لثبوت الروايات الصحيحة بذلك ، ولم يقم من كتاب الله ، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - نص
[ ص: 134 ] صريح في محل النزاع يقاومها ، ورواية
جابر أن البدنة تكفي في الهدي ، عن سبعة أخص في محل النزاع من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008934أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل البعير في القسمة يعدل عشرا من الغنم " ; لأن هذا في القسمة ، وحديث
جابر في خصوص الهدي ، والأخص في محل النزاع مقدم على الأعم ، والعلم عند الله تعالى .
ومما يوضح ذلك ما ذكره
ابن حجر في " الفتح " في شرح حديث
رافع المذكور ، وقد أورده
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب الذبائح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج بلفظ ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008935كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة فأصبنا إبلا وغنما ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخريات الناس فعجلوا فنصبوا القدور ، فدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم فأمر بالقدور فأكفئت ، ثم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير فند منها بعير " ، الحديث .
ونص كلام
ابن حجر في هذا الحديث : وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذ ذاك ، فلعل الإبل كانت قليلة ، أو نفيسة ، والغنم كانت كثيرة ، أو هزيلة بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه ، ولا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي ، من أن البعير يجزئ عن سبع شياه ; لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير المعتدلين . وأما هذه القسمة ، فكانت واقعة عين ، فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل ، دون الغنم .
وحديث
جابر عند
مسلم صريح في الحكم ، حيث قال فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008925أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة " والبدنة تطلق على الناقة ، والبقرة .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008936كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة تسعة ، وفي البدنة عشرة " فحسنه
الترمذي وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، وعضده بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج هذا . والذي يتحرر في هذا أن الأصل أن البعير بسبع ما لم يعرض عارض من نفاسة ، ونحوها ، فيتغير الحكم بحسب ذلك ، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك ، ثم الذي يظهر من القسمة المذكورة ، أنها وقعت فيما عدا ما طبخ وأريق من الإبل والغنم ، التي كانوا غنموها ، ويحتمل إن كانت الواقعة تعددت أن تكون القصة التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أتلف فيها اللحم لكونه كان قطع للطبخ ، والقصة التي في حديث
رافع طبخت الشياه صحاحا مثلا ، فلما أريق مرقها ضمت إلى الغنم لتقسم ، ثم يطبخها من وقعت في سهمه ، ولعل هذا هو النكتة في انحطاط قيمة الشياه ، عن العادة ، والله أعلم . انتهى كلام
ابن حجر .
[ ص: 135 ] وكون اللحم رد ليطبخه من وقع في سهمه مرة أخرى ، غير ظاهر عندي ، والله أعلم .
وحديث
رافع المذكور : أخرجه أيضا
مسلم في كتاب : الصيد والذبائح ، ولفظ المراد منه عن
رافع قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008937كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت ، ثم عدل عشرا من الغنم بجزور " .
والحاصل أن أخص شيء في محل النزاع وأصرحه فيه ، وأوضحه فيه حديث
جابر ، الذي ذكرنا روايته عند
مسلم . أما حديث
رافع ، فهو في قسمة الغنيمة لا في الهدي . وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فظاهره أنه في الضحايا ، وعلى كل حال : فحديث
جابر أصح منه ، فالذي يظهر أن المتمتع يكفيه سبع بدنة ، وأن النص الصريح الوارد بذلك ينبغي تقديمه ، على أنه يكفيه عشر بدنة ، وقد رأيت أدلة القولين . والعلم عند الله تعالى .