قوله تعالى :
وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ظاهر هذه الآية الكريمة أن المتعة حق لكل مطلقة على مطلقها المتقي ، سواء أطلقت قبل الدخول أم لا ؟ فرض لها صداق أم لا ؟ ويدل لهذا العموم قوله تعالى :
ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا [ 33 \ 21 ] ، مع قوله :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية [ 33 \ 21 ] ، وقد تقرر في الأصول أن الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم يعم حكمه جميع الأمة إلا بدليل على الخصوص كما عقده في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ]
وما به قد خوطب النبي تعميمه في المذهب السني
وهو مذهب الأئمة الثلاثة ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي القائل بخصوصه به صلى الله عليه وسلم إلا بدليل على العموم ، كما بيناه في غير هذا الموضع .
وإذا عرفت ذلك فاعلم : أن أزواج النبي مفروض لهن ومدخول بهن ، وقد يفهم من موضع آخر أن
المتعة لخصوص المطلقة قبل الدخول ، وفرض الصداق معا ; لأن المطلقة بعد الدخول تستحق الصداق ، والمطلقة قبل الدخول وبعد فرض الصداق تستحق نصف الصداق . والمطلقة قبلهما لا تستحق شيئا ، فالمتعة لها خاصة لجبر كسرها وذلك في قوله تعالى :
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن [ 2 \ 236 ] ، ثم قال :
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ 2 \ 237 ] ، فهذه الآية ظاهرة في هذا التفصيل ، ووجهه ظاهر معقول .
وقد ذكر تعالى في موضع آخر ما يدل على الأمر بالمتعة للمطلقة قبل الدخول وإن كان مفروضا لها ، وذلك في قوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا [ 33 \ 49 ] ; لأن ظاهر عمومها يشمل المفروض لها الصداق وغيرها ، وبكل واحدة من الآيات الثلاث أخذ جماعة من العلماء ، والأحوط الأخذ بالعموم ، وقد تقرر في الأصول أن النص الدال على الأمر مقدم على الدال على الإباحة ، وعقده في " مراقي السعود " بقوله : [ الرجز ]
[ ص: 152 ] وناقل ومثبت والآمر بعد النواهي ثم هذا الآخر
على إباحة إلخ . . .
فقوله ثم هذا الآخر على إباحة ، يعني : أن النص الدال على أمر مقدم على النص الدال على إباحة ، للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب .
والتحقيق أن
قدر المتعة لا تحديد فيه شرعا لقوله تعالى :
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، فإن توافقا على قدر معين فالأمر واضح ، وإن اختلفا فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط ، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى :
على الموسع قدره الآية ، هذا هو الظاهر ، وظاهر قوله :
ومتعوهن ، وقوله :
وللمطلقات متاع [ 2 \ 241 ] ، يقتضي وجوب المتعة في الجملة خلافا
لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلا ، واستدل بعض المالكية على عدم وجوب المتعة بأن الله تعالى قال :
حقا على المحسنين [ 2 \ 236 ] ، وقال :
حقا على المتقين [ 2 \ 241 ] ، قالوا : فلو كانت واجبة لكانت حقا على كل أحد ، وبأنها لو كانت واجبة لعين فيها القدر الواجب .
قال مقيده عفا الله عنه : هذا الاستدلال على عدم وجوبها لا ينهض فيما يظهر ; لأن قوله :
على المحسنين و
على المتقين تأكيد للوجوب وليس لأحد أن يقول لست متقيا مثلا ; لوجوب التقوى على جميع الناس .
قال
القرطبي في تفسير قوله تعالى :
ومتعوهن الآية ما نصه : وقوله
على المتقين تأكيد لإيجابها ; لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ، ومعاصيه وقد قال تعالى في القرآن :
هدى للمتقين [ 2 ] ، وقولهم لو كانت واجبة لعين القدر الواجب فيها ، ظاهر السقوط . فنفقة الأزواج والأقارب واجبة ولم يعين فيها القدر اللازم ، وذلك النوع من تحقيق المناط مجمع عليه في جميع الشرائع كما هو معلوم .