تنبيه آخر
اعلم أن
محل كون الحلق أفضل من التقصير ، إنما هو بالنسبة إلى الرجال خاصة . أما النساء : فليس عليهن حلق وإنما عليهن التقصير .
والصواب عندنا : وجوب تقصير المرأة جميع رأسها ويكفيها قدر الأنملة ; لأنه يصدق عليه أنه تقصير من غير منافاة لظواهر النصوص ، ولأن شعر المرأة من جمالها ، وحلقه مثلة وتقصيره جدا إلى قرب أصول الشعر نقص في جمالها ، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
النساء لا حلق عليهن ، وإنما عليهن التقصير .
قال
أبو داود في سننه : حدثنا
محمد بن الحسن العتكي ، ثنا
محمد بن بكر ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة بن عثمان ، قالت : أخبرتني
أم عثمان بنت أبي سفيان أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008981ليس على النساء حلق ، إنما على النساء التقصير " .
حدثنا
أبو يعقوب البغدادي ثقة ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17248هشام بن يوسف ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، قالت : أخبرتني
أم عثمان بنت أبي سفيان أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008981ليس على النساء حلق ، إنما على النساء التقصير " انتهى منه .
وقال
النووي في " شرح المهذب " ، في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذا : رواه
أبو داود بإسناد
[ ص: 185 ] حسن . وقال صاحب " نصب الراية " في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان في كتابه : هذا ضعيف ومنقطع .
أما الأول : فانقطاعه من جهة
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : بلغني عن
صفية ، فلم يعلم من حدثه به .
وأما الثاني : فقول
أبي داود : حدثنا رجل ثقة ، يكنى
أبا يعقوب ، وهذا غير كاف . وإن قيل : إنه
أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم أبي إسرائيل ، فذاك رجل تركه الناس لسوء رأيه . وأما ضعفه : فإن
أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف حالها . انتهى محل الغرض من " نصب الراية "
للزيلعي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور : في أن على النساء التقصير لا الحلق ، أقل درجاته الحسن . فقول
النووي : إنه حديث رواه
أبو داود بإسناد حسن أصوب مما نقله
الزيلعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان في كتابه ، وسكت عليه من أن الحديث المذكور ضعيف ومنقطع ، فقول
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان : وأما ضعفه فإن
أم عثمان بنت أبي سفيان لا يعرف حالها فيه قصور ظاهر جدا ; لأن
أم عثمان المذكورة من الصحابيات المبايعات ، وقد روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فدعوى أنها لا يعرف حالها ظاهرة السقوط كما ترى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في الاستيعاب :
أم عثمان بنت سفيان القرشية الشيبية العبدرية ، أم
بني شيبة الأكابر ، كانت من المبايعات . روت عنها
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة ، وروى
عبد الله بن مسافع عن أمه عنها . انتهى منه .
وقال
ابن حجر في " الإصابة " :
أم عثمان بنت سفيان ، والدة
بني شيبة الأكابر ، وكانت من المبايعات . قاله
أبو عمر إلى آخر كلامه ، وقد أورد فيه حديثا روته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في السعي بين
الصفا والمروة ، وقد قدمناه .
وقال
ابن حجر في " الإصابة " ، عن
أبي نعيم : حديثا أخرجه ، وفيه أن
أم عثمان بنت سفيان هي أم
بني شيبة الأكابر ، وقد بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ .
وقال
ابن حجر في " تهذيب التهذيب " :
أم عثمان بنت سفيان . ويقال : بنت أبي سفيان : هي أم ولد
nindex.php?page=showalam&ids=4137شيبة بن عثمان . روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وروت عنها
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة اهـ .
ومعلوم أن الصحابة كلهم عدول بتزكية الكتاب والسنة لهم ، كما أوضحناه في غير
[ ص: 186 ] هذا الموضع ، فتبين أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان : إن الحديث ضعيف ; لأنها لم يعلم حالها قصور منه - رحمه الله - كما ترى . وأما قوله : إن توثيق
أبي داود لأبي يعقوب غير كاف ، وأن
أبا يعقوب المذكور ، إن قيل : إنه
إسحاق بن إبراهيم أبي إسرائيل فذاك رجل تركه الناس لسوء رأيه .
فجوابه أن
أبا يعقوب المذكور هو
إسحاق بن إبراهيم واسم إبراهيم أبو إسرائيل ، وقد وثقه
أبو داود وأثنى عليه غير واحد من أجلاء العلماء بالرجال . وقال فيه
الذهبي في " الميزان " : حافظ شهير . قال : ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16216صالح جزرة صدوق ، إلا أنه كان يقف في القرآن ، ولا يقول : غير مخلوق ، بل يقول : كلام الله . وقال فيه أيضا : قال
عبدوس النيسابوري : كان حافظا جدا لم يكن مثله أحد في الحفظ والورع واتهم بالوقف . وقال فيه
ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : ثقة . وقال أيضا : من ثقات المسلمين ، ما كتب حديثا قط عن أحد من الناس ، إلا ما خطه هو في ألواحه أو كتابه . وقال أيضا : ثقة مأمون أثبت من
القواريري وأكيس ،
والقواريري ثقة صدوق ، وليس هو مثل
إسحاق ، وذكر غير هذا من ثناء
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين عليه ، وتفضيله على بعض الثقات المعروفين ، ثم قال : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : ثقة . وقال
البغوي : كان ثقة مأمونا ، إلا أنه كان قليل العقل ، وثناء أئمة الرجال عليه في الحفظ ، والعدالة كثير مشهور وإنما نقموا عليه أنه كان يقول : القرآن كلام الله ، ويسكت عندها ولا يقول : غير مخلوق ، ومن هنا جعلوه واقفيا ، وتكلموا في حديثه ، كما قال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=16216صالح جزرة : صدوق في الحديث إلا أنه يقول : القرآن كلام الله ويقف .
وقال
الساجي : تركوه لموضع الوقف ، وكان صدوقا . وقال
أحمد :
nindex.php?page=showalam&ids=12410إسحاق بن أبي إسرائيل واقفي مشئوم ، إلا أنه كان صاحب حديث كيسا .
وقال
السراج : سمعته يقول : هؤلاء الصبيان يقولون : كلام الله غير مخلوق ، ألا قالوا كلام الله وسكتوا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان بن سعيد الدارمي : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين فقال : ثقة . قال
عثمان : لم يكن أظهر الوقف حين سألت
يحيى عنه ويوم كتبنا عنه كان مستورا ، وقال
عبدوس النيسابوري : كان حافظا جدا ، ولم يكن مثله في الحفظ والورع ، وكان لقي المشايخ فقيل : كان يتهم بالوقف قال : نعم اتهم وليس بمتهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17095مصعب الزبيري : ناظرته فقال : لم أقل على الشك ، ولكني أسكت كما سكت القوم قبلي .
والحاصل : أنهم متفقون على ثقته ، وأمانته بالنسبة إلى الحديث ، إلا أنهم كانوا
[ ص: 187 ] يتهمونه بالوقف ، وقد رأيت قول من نفى عنه التهمة ، وقول من ناظره أنه قال له : لم أقل على الشك . ولكني سكت كما سكت القوم قبلي ، ومعنى كلامه : أنه لا يشك في أن القرآن غير مخلوق ، ولكنه يقتدي بمن لم يخض في ذلك ، ولما حكى
الذهبي في الميزان قول
الساجي : إنهم تركوا الأخذ عنه لمكان الوقف ، قال بعده ما نصه : قلت : قل من ترك الأخذ عنه اهـ ، وهو تصريح منه
بأن الأكثرين على قبوله ، فحديثه لا يقل عن درجة
الحسن ، وروايته عند
أبي داود الذي وثقه تعتضد بالرواية المذكورة قبلها ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج فيها : " بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة " تفسره الرواية الثانية التي بين فيها
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أن من بلغه عن
صفية المذكورة : هو
عبد الحميد بن جبير بن شيبة ، وهو ثقة معروف .
فإن قيل :
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج روى عنه بالعنعنة ، وهو مدلس ، والرواية بالعنعنة لا تقبل من المدلس بل لا بد من تصريحه ، بما يدل على السماع .
والجواب : أنا قدمنا أن مشهور مذهب
مالك وأبي حنيفة وأحمد هو
الاحتجاج بالمرسل ، ومن يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى كما نبه عليه غير واحد من الأصوليين .
وقد قدمنا موضحا مرارا في هذا الكتاب المبارك مع اعتضاد هذه الرواية بالأخرى واعتضادها بغيرها .
قال
الزيلعي في " نصب الراية " : بعد ذكره كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان في تضعيف حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور في تقصير النساء ، وعدم حلقهن الذي ناقشنا تضعيفه له كما رأيت ما نصه : وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في معجمه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، عن
يعقوب بن عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة به ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار في مسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عبد الحميد بن جبير ، عن
صفية به . وقال
البزار : لا نعلمه يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، إلا من هذا الوجه انتهى ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه ، عن
ليث ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال في المحرمة : تأخذ من شعرها قدر السبابة . انتهى ، وليث هذا الظاهر أنه
ابن أبي سليم ، وهو ضعيف . انتهى من " نصب الراية " .
فتبين من جميع ما ذكر أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في أن على النساء المحرمات إذا أردن قضاء التفث التقصير ، لا الحلق أنه لا يقل عن درجة الحسن ، كما جزم
النووي بأن إسناده عند
أبي داود حسن ، وقد رأيت اعتضاده بما ذكرنا من الروايات المتابعة له بواسطة نقل
[ ص: 188 ] الزيلعي ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار ويعتضد عدم حلق النساء رءوسهن بخمسة أمور غير ما ذكرنا .
الأول : الإجماع على عدم حلقهن في الحج ، ولو كان الحلق يجوز لهن لشرع في الحج .
الثاني : أحاديث جاءت بنهي النساء عن الحلق .
الثالث : أنه ليس من عملنا ، ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .
الرابع : أنه تشبه بالرجال ، وهو حرام .
الخامس : أنه مثلة والمثلة لا تجوز .
أما الإجماع ، فقد قال
النووي في " شرح المهذب " ، قال
ابن المنذر : أجمعوا على ألا حلق على النساء ، وإنما عليهن التقصير ، ويكره لهن الحلق ; لأنه بدعة في حقهن ، وفيه مثلة .
واختلفوا في قدر ما تقصره ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : تقصر من كل قرن مثل الأنملة ، وقال قتادة : تقصر الثلث أو الربع ، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=15732حفصة بنت سيرين : إن كانت عجوزا من القواعد أخذت نحو الربع ، وإن كانت شابة فلتقلل ، وقال
مالك : تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ، ولا يجوز من بعض القرون . انتهى محل الغرض منه ، وتراه نقل عن
ابن المنذر الإجماع على أن النساء : لا حلق عليهن في الحج ، ولو كان الحلق يجوز لهن لأمرن به في الحج ; لأن الحلق نسك على التحقيق ، كما تقدم إيضاحه .
وأما الأحاديث الواردة في ذلك فسأنقلها بواسطة نقل
الزيلعي ، في " نصب الراية " ; لأنه جمعها فيه في محل واحد قال : فنهي النساء عن الحلق فيه أحاديث .
منها : ما رواه
الترمذي في الحج ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في الزينة ، قالا : حدثنا
محمد بن موسى الحرشي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي ، عن
همام ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15826خلاس بن عمرو ، عن
علي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008982نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن تحلق المرأة رأسها " ، انتهى . ثم رواه
الترمذي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي به ، عن
خلاس عن النبي مرسلا ، وقال : هذا حديث فيه اضطراب ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن
قتادة ، عن
عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا انتهى ، وقال
عبد الحق في أحكامه : هذا حديث يرويه
همام عن
يحيى ، عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15826خلاس بن عمرو ، عن
علي ، وخالفه
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة فروياه عن
قتادة ، عن النبي مرسلا .
[ ص: 189 ] حديث آخر أخرجه
البزار في مسنده عن
معلى بن عبد الرحمن الواسطي : ثنا
عبد الحميد بن جعفر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة - رضي الله عنها - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008983أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تحلق المرأة رأسها " ، انتهى . قال
البزار :
ومعلى بن عبد الرحمن الواسطي روى عن
عبد الحميد أحاديث ، لم يتابع عليها ، ولا نعلم أحدا تابعه على هذا الحديث . انتهى ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل ، وقال : أرجو أنه لا بأس به ، قال
عبد الحق : وضعفه
أبو حاتم وقال : إنه متروك الحديث انتهى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في كتاب " الضعفاء " : يروي عن
عبد الحميد بن جعفر المقلوبات ، لا يجوز الاحتجاج به ، إذا تفرد حديث آخر ، رواه
البزار في مسنده أيضا .
حدثنا
عبد الله بن يوسف الثقفي ، ثنا
روح بن عطاء بن أبي ميمونة ، ثنا أبي ، عن
وهب بن عمير قال : سمعت
عثمان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008982نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها " انتهى . قال
البزار :
ووهب بن عمير لا نعلمه روى غير هذا الحديث ، ولا نعلم روى عنه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=16570عطاء بن أبي ميمونة ،
وروح ليس بالقوي . انتهى كلام
الزيلعي في " نصب الراية " .
وهذه الروايات التي ذكرنا في نهي المرأة عن حلق رأسها ، عن
علي ،
وعثمان ،
وعائشة : يعضد بعضها بعضا كما تعتضد بما تقدم ، وبما سيأتي إن شاء الله ، وأما كون حلق المرأة رأسها ليس من عمل نساء الصحابة ، فمن بعدهم ، فهو أمر معروف ، لا يكاد يخالف فيه إلا مكابر ، فالقائل : بجواز الحلق للمرأة قائل بما ليس من عمل المسلمين المعروف ، وفي الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007135من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، فالحديث يشمل عمومه الحلق بالنسبة للمحرمة بلا شك ، وإذا لم يبح لها حلقه في حال النسك ، فغيره من الأحوال أولى ، وأما كون حلق المرأة رأسها تشبها بالرجال ، فهو واضح ، ولا شك أن الحالقة رأسها متشبهة بالرجال ; لأن الحلق من صفاتهم الخاصة بهم دون الإناث عادة . وقد قدمنا الحديث الصحيح في لعن المتشبهات من النساء بالرجال في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى :
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] . وأما كون حلق رأس المرأة مثلة ، فواضح ; لأن شعر رأسها من أحسن أنواع جمالها وحلقه تقبيح لها وتشويه لخلقتها ، كما يدركه الحس السليم ، وعامة الذين يذكرون محاسن النساء في أشعارهم ، وكلامهم مطبقون على أن شعر المرأة الأسود من أحسن زينتها لا نزاع في ذلك بينهم في جميع طبقاتهم وهو في أشعارهم مستفيض استفاضة يعلمها كل من له أدنى إلمام ، وسنذكر هنا منه أمثلة قليلة تنبيها بها على غيرها قال
امرؤ القيس في معلقته :
[ ص: 190 ] وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقنو النخلة المتعثكل غدائره مستشزرات إلى العلى
تضل المداري في مثنى ومرسل
فتراه جعل كثرة شعر رأسها وسواده وطوله من محاسنها ، وهو كذلك . وقال
الأعشى ميمون بن قيس :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
فقوله : فرعاء يعني أن فرعها أي شعر رأسها تام في الطول والسواد والحسن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
تقول يا أمتا كفي جوانبه ويلي بليت وأبلى جيدي الشعر
مثل الأساود قد أعيا مواشطه تضل فيه مداريها وتنكسر
فلو لم تكن كثرة الشعر وسواده من الجمال عندهم ، لما تعبوا في خدمته هذا التعب الذي ذكره هذا الشاعر ، ونظيره قول الآخر :
وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليث قنوان الكروم الدوالح
لأن قوله : يصير الجيد أي يميل العنق لكثرته ، وقد بالغ من قال : بيضاء تسحب من قيام فرعها وتغيب فيه وهو وجف أسحم فكأنها فيه نهار ساطع وكأنه ليل عليها مظلم وأمثال هذا أكثر من أن تنحصر ، وقصدنا مطلق التمثيل ، وهو يدل على أن حلق المرأة شعر رأسها نقص في جمالها ، وتشويه لها ، فهو مثلة وبه تعلم أن العرف الذي صار جاريا في كثير من البلاد ، بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة أفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام ، فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق ، والسمت وغير ذلك .
فإن قيل : جاء عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على حلق المرأة رأسها ، وتقصيرها إياه ، فما دل على الحلق ، فهو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه في النوع الحادي عشر من القسم الخامس ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير : ثنا أبي ، سمعت
أبا فزارة ، يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم ، عن
ميمونة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008984أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا وبنى بها وماتت بسرف ، فدفنها في الظلة التي بنى بها فيها ، فنزلنا قبرها أنا nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس فلما وضعناها في اللحد مال رأسها فأخذت [ ص: 191 ] ردائي فوضعته تحت رأسها فاجتذبه nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فألقاه وكانت قد حلقت رأسها في الحج فكان رأسها محجما " . انتهى بواسطة نقل صاحب " نصب الراية " . فهذا الحديث يدل على أن
ميمونة حلقت رأسها ، ولو كان حراما ما فعلته ، وأما التقصير فما رواه
مسلم في صحيحه .
وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16526عبيد الله بن معاذ العنبري قال : حدثنا أبي قال : حدثنا
شعبة ، عن
أبي بكر بن حفص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008985دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاع ، فسألها عن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة فدعت بإناء قدر الصاع ، فاغتسلت ، وبيننا وبينها ستر ، وأفرغت على رأسها ثلاثا . قال : وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة . اهـ من " صحيح
مسلم " .
فالجواب عن حديث
ميمونة على تقدير صحته أن فيه أن رأسها كان محجما ، وهو يدل على أن الحلق المذكور لضرورة المرض ، لتتمكن آلة الحجم من الرأس ، والضرورة يباح لها ما لا يباح بدونها ، وقد قال تعالى :
وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه [ 6 \ 119 ] .
وأما الجواب : عن حديث
مسلم فعلى القول : بأن الوفرة أطول من اللمة التي هي ما ألم بالمنكبين من الشعر ، فلا إشكال ; لأن ما نزل عن المنكبين طويل طولا يحصل به المقصود . قال
النووي في " شرح
مسلم " : والوفرة أشبع ، وأكثر من اللمة . واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر . قاله :
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي . انتهى محل الغرض من
النووي .
وأما على القول الصحيح المعروف عند أهل اللغة : من أنها لا تجاوز الأذنين . قال في القاموس : والوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما سال على الأذنين منه أو ما جاوز شحمة الأذن ، ثم الجمة ، ثم اللمة انتهى منه .
وقال
الجوهري في صحاحه : والوفرة : الشعر إلى شحمة الأذن ، ثم الجمة ثم اللمة : وهي التي ألمت بالمنكبين . وقال
ابن منظور في " اللسان " : والوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، وقيل : ما سال على الأذنين من الشعر . والجمع وفار . قال كثير عزة : كأن وفار القوم تحت رحالها إذا حسرت عنها العمائم عنصل وقيل : الوفرة أعظم من الجمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده : وهذا غلط إنما هي وفرة ، ثم جمة ، ثم لمة ، والوفرة : ما جاوز شحمة الأذنين ، واللمة : ما ألم بالمنكبين . التهذيب ، والوفرة :
[ ص: 192 ] الجمة من الشعر إذا بلغت الأذنين ، وقيل : الوفرة الشعرة إلى شحمة الأذن ، ثم الجمة ، ثم اللمة ، إلى أن قال : والوفرة شعر الرأس ، إذا وصل شحمة الأذن . انتهى من " اللسان " .
فالجواب أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصرن رءوسهن بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ; لأنهن كن يتجملن له في حياته ، ومن أجمل زينتهن شعرهن . أما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، فلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيه امرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض ، وهو انقطاع أملهن انقطاعا كليا من التزويج ، ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع ، فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه - صلى الله عليه وسلم - إلى الموت . قال تعالى :
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [ 33 \ 53 ] ، واليأس من الرجال بالكلية ، قد يكون سببا للترخيص في الإخلال بأشياء من الزينة ، لا تحل لغير ذلك السبب . وقال
النووي في " شرح
مسلم " ، في الكلام على هذا الحديث : قال
عياض - رحمه الله تعالى - : والمعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون ، والذوائب ، ولعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلن هذا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لتركهن التزين ، واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمؤنة رءوسهن ، وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض من كونهن فعلنه ، بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، لا في حياته . كذا قاله أيضا غيره ، وهو متعين ولا يظن بهن فعله في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه دليل على جواز
تخفيف الشعور للنساء . انتهى كلام
النووي . وقوله : وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء ، فيه عندي نظر لما قدمنا من أن أزواج النبي بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لا يقاس عليهن غيرهن ; لأن قطع طمعهن في الرجال بالكلية خاص بهن دون غيرهن ، وهو قد يباح له من الإخلال ببعض الزينة ما لا يباح لغيره حتى إن العجوز من غيرهن لتزين للخطاب ، وربما تزوجت ; لأن كل ساقطة لها لاقطة . وقد يحب بعضهم العجوز كما قال القائل : أبى القلب إلا أم عمرو وحبها عجوزا ومن يحبب عجوزا يفند كثوب اليماني قد تقادم عهده ورقعته ما شئت في العين واليد وقال الآخر : ولو أصبحت ليلى تدب على العصا لكان هوى ليلى جديدا أوائله
والعلم عند الله تعالى .