مسألة في الأضحية
لا يخفى أن كلامنا في الهدي وأن الآية التي نحن بصددها ظاهرها أنها في الهدي ، ولما كان عمومها قد تدخل فيه الأضحية ، أردنا هنا أن نشير إلى بعض أحكام الأضحية باختصار .
اعلم أولا أن الأضحية فيها أربع لغات : أضحية بضم الهمزة ، وإضحية بكسرها ، وجمعهما أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها ، وضحية ، وجمعها ضحايا ، وأضحاة وجمعها : أضحى كأرطاة ، وأرطى .
واعلم أنه لا خلاف في
مشروعية الأضحية . قال بعض أهل العلم : وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى :
فصل لربك وانحر [ 108 \ 2 ] ، على ما قاله بعض أهل التفسير ، من أن المراد به : ذبح الأضحية بعد صلاة العيد ، ولا يخفى أن صلاة العيد داخلة في عموم
فصل لربك ، وأن الأضحية داخلة في عموم قوله :
وانحر .
وأما الإجماع : فقد أجمع جميع المسلمين على مشروعية الأضحية . وأما السنة : فقد وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة صحيحة في مشروعية الأضحية وسنذكر طرفا منها فيه كفاية إن شاء الله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين ويذكر سمينين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=131أبا أمامة بن سهل ، قال : كنا نسمن الأضحية
بالمدينة ، وكان المسلمون يسمنون .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11790آدم بن أبي إياس ، حدثنا
شعبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008989كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين " ، وأنا أضحي بكبشين .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
عبد الوهاب عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أنس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008990أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده " ، وقال
إسماعيل وحاتم بن وردان ، عن
أيوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن
أنس تابعه
وهيب عن
أيوب ، وقال : حدثنا
[ ص: 199 ] nindex.php?page=showalam&ids=16704عمرو بن خالد ، حدثنا
الليث ، عن
يزيد ، عن
أبي الخير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008991أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود ، فذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ضح به أنت " ، انتهى من صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وفي لفظ له من حديث
أنس - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008992ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده " . وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري عن
أنس أيضا ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008993ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما " . وفي لفظ له عن
أنس - رضي الله عنه - أيضا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008994أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويضع رجله على صفاحهما ، ويذبحهما بيده " . انتهى منه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
أبو عوانة عن
قتادة ، عن
أنس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008993ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما " . وفي لفظ له عن
أنس - رضي الله عنه - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008995ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ، قال : ورأيته يذبحهما بيده ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما قال : وسمى وكبر ، وفي لفظ
لمسلم عن
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله ، غير أنه قال : ويقول : " بسم الله ، والله أكبر " . وقال
مسلم في صحيحه أيضا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17224هارون بن معروف ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب قال : قال
حيوة : أخبرني
أبو صخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن قسيط عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير ، عن
عائشة - رضي الله عنها - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008996أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد ، وينظر في سواد فأتى به ليضحي به ، فقال لها : " يا عائشة ، هلمي المدية ، ثم قال : " اشحذيها بحجر " ، ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : " باسم الله ، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " ، ثم ضحى به ، انتهى من صحيح
مسلم . والأحاديث الواردة في مشروعية الأضحية كثيرة ، معروفة .
وقد اختلف أهل العلم في حكمها ، فذهب أكثر أهل العلم : إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ، ولا تجب عليه . وقال
النووي في " شرح المهذب " : وهذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء منهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ،
وبلال ،
nindex.php?page=showalam&ids=91وأبو مسعود البدري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
وعطاء ،
وعلقمة ،
والأسود ،
ومالك ،
وأحمد ،
وأبو يوسف ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
والمزني ،
وداود بن المنذر ، وقال
ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : هي واجبة على الموسر إلا الحاج
بمنى . وقال
محمد بن الحسن : هي واجبة على المقيم بالأمصار . والمشهور عن
أبي حنيفة : أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابا . انتهى كلام
النووي .
[ ص: 200 ] وقال
النووي في " شرح مسلم " : واختلف العلماء في وجوب الأضحية ، على الموسر ، فقال جمهورهم : هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر ، لم يأثم ، ولم يلزمه القضاء ، وممن قال بهذا :
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب إلى آخر كلامه قريبا مما ذكرنا عنه في " شرح المهذب " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة ، روي ذلك عن
أبي بكر ،
وعمر ،
وبلال ،
nindex.php?page=showalam&ids=91وأبي مسعود البدري - رضي الله عنهم - . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
وعلقمة ،
والأسود ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وابن المنذر . وقال
ربيعة ،
ومالك ،
والنووي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
والليث ،
وأبو حنيفة : هي واجبة ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " ، عن
مالك وجوب الأضحية خلاف مذهبه ، ومذهبه هو ما نقل عنه
النووي : من أنها سنة ، ولكنها عنده لا تسن على خصوص الحاج
بمنى ; لأن ما يذبحه هدي لا أضحية . وقد قدمنا أن آية " الحج " لا تخلو من دلالة على ما ذهب إليه
مالك ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى .
فإذا رأيت أقوال أهل العلم في
حكم الأضحية ، فهذه أدلة أقوالهم ومناقشتها ، وما يظهر رجحانه بالدليل منها ، على سبيل الاختصار .
أما من قال : إنها واجبة فقد استدل بأدلة منها : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعلها ، والله يقول :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية [ 33 \ 21 ] .
وقد قدمنا قول من قال من أهل الأصول إن
فعله صلى الله عليه وسلم الذي لم تعلم جهته من وجوب أو غيره يحمل على الوجوب . وأوضحنا أدلة ذلك . وذكرنا أن صاحب " مراقي السعود " ذكره بقوله في كتاب السنة في مبحث أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
وكل ما الصفة فيه تجهل فللوجوب في الأصح يجعل
وذكرنا مناقشة الأقوال فيه في الحج ، وغيره من سور القرآن .
ومن أدلتهم على وجوب الأضحية ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : حدثنا
آدم ، حدثنا
شعبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن قيس : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=401جندب بن سفيان البجلي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008997شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال : " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ، ومن لم يذبح فليذبح " اهـ . قالوا قوله : " فليعد " ، وقوله : " فليذبح " كلاهما صيغة أمر .
وقد قدمنا أن الصحيح عند أهل الأصول أن
الأمر المتجرد عن القرائن ، يدل على [ ص: 201 ] الوجوب ، وبينا أدلة ذلك من الكتاب والسنة ، ورجحناه بالأدلة الكثيرة الواضحة كقوله تعالى :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية [ 24 \ 63 ] . وقوله :
أفعصيت أمري [ 20 \ 93 ] ، فسمى مخالفة الأمر معصية ، وقوله :
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة الآية [ 33 \ 36 ] ، فجعل أمره وأمر رسوله مانعا من الاختيار ، موجبا للامتثال ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " ، الحديث إلى آخر ما قدمنا ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=401جندب بن سفيان الذي ذكرناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أخرجه أيضا
مسلم في صحيحه بلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008998من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي ، فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله " ، وصيغة الأمر بالذبح في حديثه واضحة ، كما بينا دلالتها على الوجوب آنفا .
ومن أدلتهم على وجوب الأضحية : ما رواه
أبو داود في سننه ، حدثنا
مسدد ، ثنا
يزيد ، ( ح ) وثنا
حميد بن مسعدة ، ثنا
بشر ، عن
عبد الله بن عون ، عن
عامر أبي رملة قال : أخبرنا
مخنف بن سليم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008999ونحن وقوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات قال : " يا أيها الناس ، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة أتدرون ما العتيرة ؟ هي : التي يقول عنها الناس : الرجبية " انتهى منه .
وقال
النووي في " شرح المهذب " : في هذا الحديث رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم ، قال
الترمذي : حديث حسن . قال
الخطابي : هذا الحديث ضعيف المخرج ; لأن
أبا رملة مجهول . وهو كما قال
الخطابي مجهول . قال فيه
ابن حجر في " التقريب " :
عامر أبو رملة شيخ
لابن عون لا يعرف انتهى منه . وقال فيه
الذهبي في " الميزان " :
عامر أبو رملة شيخ
لابن عون فيه جهالة له عن
مخنف بن سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009000يا أيها الناس ، إن على كل بيت في الإسلام أضحية ، وعتيرة " . قال
عبد الحق : إسناده ضعيف ، وصدقه
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان لجهالة
عامر ، رواه عنه
ابن عون انتهى منه .
وبه تعلم أن قول
ابن حجر في " الفتح " ، في حديث
مخنف بن سليم أخرجه
أحمد والأربعة بسند قوي ، خلاف التحقيق كما ترى . وقد قال
أبو داود بعد أن ساق الحديث بسنده ومتنه كما ذكرناه عنه آنفا . قال
أبو داود : العتيرة : منسوخة هذا خبر منسوخ انتهى منه . ولكنه لم يبين الناسخ ، ولا دليل النسخ . وعلى كل حال فالحديث ضعيف لا يحتج به ; لأن أبا رملة مجهول كما رأيت من قال ذلك .
ومن أدلتهم على وجوبها : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وصححه
الحاكم عن
أبي [ ص: 202 ] هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009001من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " . قال
ابن حجر في بلوغ المرام : في هذا الحديث رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وصححه
الحاكم ورجح الأئمة غيره وقفه ، وقال
ابن حجر في " فتح الباري " : وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية ، حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رفعه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009001من وجد سعة فلم يضح ، فلا يقربن مصلانا " ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ،
وأحمد ، ورجاله ثقات ، لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره ، ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب انتهى منه .
وذكر
النووي في شرح المهذب ، من أدلة من أوجبها : ما جاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009002ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة يوم عيد " ، ثم قال : رواه
البيهقي . وقال : تفرد به
محمد بن ربيعة ، عن
إبراهيم بن يزيد الخوزي وليسا بقويين ، ثم قال : وعن
عائذ الله المجاشعي ، عن
أبي داود نفيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009003قالوا : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هذه الأضاحي ؟ قال : " سنة أبيكم إبراهيم " ( صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم ) ، قالوا : ما لنا فيها من الأجر ؟ قال : " بل كل قطرة حسنة " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ،
والبيهقي . قال
البيهقي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
عائذ الله المجاشعي عن
أبي داود لا يصح حديثه ،
وأبو داود هذا ضعيف ، ثم قال
النووي : وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009004نسخ الأضحى كل ذبح ، وصوم رمضان كل صوم ، والغسل من الجنابة كل غسل ، والزكاة كل صدقة " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
والبيهقي قال : وهو ضعيف ، واتفق الحفاظ على ضعفه ، وعن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009005قلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أستدين وأضحي ؟ قال : " نعم ، فإنه دين مقضي " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني والبيهقي ، وضعفاه قالا : وهو مرسل اهـ كلام
النووي . وما ذكره من تضعيف الأحاديث المذكورة : هو الصواب ، وقد وردت أحاديث غير ما ذكرنا في الترغيب في الأضحية ، وفيها أحاديث متعددة ليست بصحيحة . وهذا الذي ذكرنا هو عمدة من قال : بوجوب الأضحية ، واستدلال بعض الحنفية على وجوبها بالإضافة في قولهم : يوم الأضحى قائلا : إن الإضافة إلى الوقت لا تحقق إلا إذا كانت موجودة فيه بلا شك ، ولا تكون موجودة فيه بيقين ، إلا إذا كانت واجبة لا يخفى سقوطه ; لأن الإضافة تقع بأدنى ملابسة ، فلا تقتضي الوجوب على التحقيق ، كما لا يخفى .
وأقوى أدلة من قال بالوجوب : هو ما قدمنا في الصحيحين من حديث
جندب بن [ ص: 203 ] سفيان البجلي ، من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من ذبح قبل الصلاة بالإعادة ، وأمر من لم يذبح بالذبح . وقد قدمنا دلالة الأمر على الوجوب والحديث المختلف في وقفه ورفعه الذي قدمنا ; لأن قوله فيه : " فلا يقربن مصلانا " ، يفهم منه أن ترك الأضحية مخالفة غير هينة ، لمنع صاحبها من قرب المصلى وهو يدل على الوجوب . والفرق بين المسافر والمقيم عند
أبي حنيفة لا أعلم له مستندا من كتاب ولا سنة ، وبعض الحنفية يوجهه بأن أداءها له أسباب تشق على المسافر ، وهذا وحده لا يكفي دليلا ; لأنه من المعلوم أن كل واجب عجز عنه المكلف ، يسقط عنه ; لقوله تعالى :
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] .
وأما الذين قالوا : بأن الأضحية سنة مؤكدة ، وليست بواجبة ، فاستدلوا بأدلة منها : ما رواه
مسلم في صحيحه : حدثنا
ابن أبي عمر المكي ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16340عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، سمع
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009006إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا " ، قيل
لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه . قال : لكني أرفعه اهـ وفي لفظ عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند
مسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009007إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا " . وفي لفظ له عنها مرفوعا " إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره " اهـ .
كل هذه الألفاظ في صحيح
مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث زوجه
nindex.php?page=showalam&ids=54أم المؤمنين - أم سلمة رضي الله عنها - ، ووجه الاستدلال بها ، على عدم الوجوب أن ظاهر الرواية أن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي ، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك .
قال
النووي في " شرح المهذب " : بعد أن ذكر بعض روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة المذكور ما نصه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هذا دليل أن التضحية ليست بواجبة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - ، " وأراد " فجعله مفوضا إلى إرادته ، ولو كانت واجبة لقال : فلا يمس من شعره ، حتى يضحي انتهى منه . وقال
النووي في " شرح المهذب " أيضا : واستدل أصحابنا ، يعني لعدم الوجوب بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009008هن علي فرائض وهن لكم تطوع : النحر ، والوتر ، وركعتا الضحى " ، رواه
البيهقي بإسناد ضعيف . ورواه في موضع آخر وصرح بضعفه وللحديث المذكور طرق ، ولا يخلو شيء منها من الضعف ولم يذكرها
النووي . ثم قال
النووي : وصح عن
أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - : أنهما كانا لا يضحيان ، مخافة أن يعتقد الناس وجوبها اهـ كلام
النووي . وقال
ابن حجر في " فتح الباري " : قال
ابن [ ص: 204 ] حزم : لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة ، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين . وقد استدل لعدم وجوبها :
المجد في " المنتقى " بحديثين ، ولا تظهر دلالتها على ذلك عندي كل الظهور . قال في " المنتقى " : باب ما احتج به في عدم وجوبها ، بتضحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمته : عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009009صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيد الأضحى ، فلما انصرف " أتى بكبش فذبحه فقال : " باسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . وعن
علي بن الحسين ، عن
أبي رافع : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009010أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب للناس أوتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول : " اللهم هذا عني وعن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول : " هذا عن
محمد وآل
محمد " فيطعمهما جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما " فمكثنا سنين ليس لرجل من
بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والغرم ، رواه أحمد ، اهـ من " المنتقى " .
وقال شارحه في " نيل الأوطار " : ووجه دلالة الحديثين ، وما في معناهما على عدم الوجوب أن تضحيته - صلى الله عليه وسلم - عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضح ، سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ، ثم تعقبه بقوله : ويمكن أن يجاب عن ذلك ، بأن حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009011على كل أهل بيت أضحية " ، يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها ، فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعى ، فلا دلالة له على عدم الوجوب ; لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ، ولا ضحى عنه غيره ، فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره - صلى الله عليه وسلم - من الأمة مستلزما ، لعدم وجوبها على من كان في غير عصره - صلى الله عليه وسلم - منهم انتهى من " نيل الأوطار " . وقد رأيت أدلة القائلين بالوجوب ، والقائلين بالسنة . والواقع في نظرنا أنه ليس في شيء من أدلة الطرفين ، دليل جازم سالم من المعارض على الوجوب ، ولا على عدمه ; لأن صيغة الأمر بالذبح في الحديث الصحيح وبإعادة من ذبح قبل الصلاة ، وإن كان يفهم منه الوجوب على أحد الأقوال ، وهو المشهور في صيغة الأمر . فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة الذي ظاهره : تفويض ذلك إلى إرادة المضحي ، وهو في صحيح
مسلم يمكن أن يكون قرينة صارفة عن الوجوب في صيغة الأمر المذكور ، وكلا الدليلين لا يخلو من احتمال ، وحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009001من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " ، رجح أكثر الأئمة وقفه ، وقد قدمنا أن
ابن حجر قال : إنه ليس صريحا
[ ص: 205 ] في الإيجاب وأجاب
القرطبي في المفهم عن دلالة صيغة الأمر في قوله : فليعد ، وقوله : فليذبح وقال : لا حجة في شيء من ذلك ، على الوجوب وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية ، لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأ أو جهلا ، فبين له وجه تدارك ما فرط منه انتهى محل الغرض منه بواسطة نقل
ابن حجر في " الفتح " .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي في مثل هذا الذي لم تتضح فيه دلالة النصوص على شيء معين إيضاحا بينا أنه يتأكد على الإنسان الخروج من الخلاف فيه ، فلا يترك الأضحية مع قدرته عليها ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007221دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، فلا ينبغي تركها لقادر عليها ; لأن أداءها هو الذي يتيقن به براءة ذمته ، والعلم عند الله تعالى .