الفرع الخامس : اعلم أن أكثر أهل العلم على أن
أفضل أنواع الأضحية : البدنة ، ثم البقرة ، ثم الشاة ، والضأن ، أفضل من المعز . وسيأتي الكلام على حكم الاشتراك في الأضحية ببدنة ، أو بقرة إن شاء الله . وكون الأفضل : البدنة ، ثم البقرة ، ثم شاة الضأن ، ثم شاة المعز . قال
النووي في " شرح المهذب " : هو مذهبنا ومذهب
أبي حنيفة ،
وأحمد ،
وداود . وقال
مالك : أفضلها الغنم ثم البقر ، ثم الإبل . قال : والضأن أفضل من المعز ،
[ ص: 217 ] وإناثها أفضل من فحول المعز ، وفحول الضأن خير من إناث المعز ، وإناث المعز خير من الإبل والبقر . وقال بعض أصحاب
مالك : الإبل أفضل من البقر .
فإذا عرفت
أقوال أهل العلم في أفضل ما يضحى به من بهيمة الأنعام ، فاعلم أن الجمهور الذين قالوا البدنة أفضل ، ثم البقرة ، ثم الشاة احتجوا بأدلة : منها أن البدنة أعظم من البقرة ، والبقرة أعظم من الشاة . والله تعالى يقول :
ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الآية [ 22 \ 32 ] .
ومنها ما قدمنا ثابتا في الصحيح أن
البقرة والبدنة كلتاهما تجزئ عن سبعة في الهدي ، فكل واحدة منهما تعدل سبع شياه . وكونها تعدل سبع شياه ، دليل واضح على أنها أفضل من شاة واحدة .
ومنها ما رواه الشيخان والإمام
أحمد وأصحاب السنن ، غير
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009038من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر " ، اهـ . قالوا : ففي هذا الحديث الصحيح الدلالة الواضحة ، على أن البدنة أفضل ، ثم البقرة ، ثم الكبش الأقرن ، ووجهه ظاهر . واحتج
مالك ، وأصحابه : على أن التضحية بالغنم أفضل : بأنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالغنم لا بالإبل ، ولا بالبقر . وقد قدمنا الأحاديث بتضحيته بكبشين أقرنين أملحين ، وتضحيته بكبش أقرن يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، وكلها ثابتة في الصحيح كما قدمنا أسانيدها ومتونها . قالوا : وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يضحي مكررا ذلك عاما بعد عام ، إلا بما هو الأفضل في الأضحية . فلو كانت التضحية بالإبل والبقر لفعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأفضل .
قالوا فإن قيل : أهدى في حجته الإبل ، ولم يهد الغنم .
فالجواب : أنه أهدى الغنم أيضا فبعث بها إلى البيت ، ولو سلمنا أن
الإبل أفضل في الهدي ، فلا نسلم أنها أفضل في الأضحية ، والمالكية لا ينكرون أفضلية الإبل في الهدي ، وإنما يقولون : إن الغنم أفضل في الأضحية ، ولكل من الغنم والإبل فضل من جهة ; فالإبل أفضل من حيث كثرة لحمها ، والغنم أفضل ، من حيث إن لحمها أطيب ، وألذ . وعند
[ ص: 218 ] المالكية : فلا مانع من أن يراعي كل واحد من الوصفين في نوع من أنواع النسك ، ودليل الجمهور ظاهر . لكن دليل المالكية أخص في محل النزاع ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يضح إلا بالغنم ، والخير كله في اتباعه في أقواله وأفعاله ، وما جاء عنه من تفضيل البدنة ، ثم البقرة ، ثم الكبش الأقرن ، لم يأت في خصوص الأضحية . ولكن فعله - صلى الله عليه وسلم - في خصوص الأضحية والله تعالى يقول :
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] .
والحاصل أن لكل من القولين وجها من النظر . والله تعالى أعلم بالصواب .
واعلم أن الجمهور أجابوا عن دليل
مالك بأن تضحيته - صلى الله عليه وسلم - بالغنم ، لبيان الجواز ، أنه لأنه لم يتيسر له في ذلك الوقت بدنة ولا بقرة ، وإنما تيسرت له الغنم هكذا قالوا . وظاهر الأحاديث تكرر تضحيته صلى الله عليه وسلم بالغنم ، وقد يدل ذلك على قصده الغنم دون غيرها ; لأنه لو لم يتيسر له إلا الغنم سنة ، فقد يتيسر له غيرها في سنة أخرى . والله تعالى أعلم .
فإن قيل : روى
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=1009039كان - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالجزور أحيانا وبالكبش إذا لم يجد الجزور .
فالجواب أن
الزرقاني في " شرح الموطأ " قال ما نصه : وحديث
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009039كان - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالجزور أحيانا ، وبالكبش إذا لم يجد الجزور " . ضعيف . في سنده
عبد الله بن نافع ، وفيه مقال . انتهى منه . وقد روى
البيهقي في " السنن الكبرى " ، عن
أبي أمامة ،
nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009040خير الضحايا الكبش الأقرن " انتهى منه . وقد ذكر
النووي أن فيه ضعفا ، ولا شك أنه تقويه الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - بالمداومة على التضحية بالكبشين الأقرنين ، أو الكبش الأقرن . كما تقدم إيضاحه .