الفرع السابع : الأظهر عندي أن من
نذر جميع ماله لله ليصرف في سبيل الله ، أنه يكفيه الثلث ولا يلزمه صرف الجميع ، وهذا قول
مالك وأصحابه
وأحمد وأصحابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري . وفي هذه المسألة للعلماء عشرة مذاهب أظهرها عندنا : هو ما ذكرنا ، ويليه في الظهور عندنا قول من قال : يلزمه صرفه كله ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والنخعي ، وعن
أحمد رواية أخرى أن عليه كفارة يمين ، وعن
ربيعة تلزمه الصدقة بقدر الزكاة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد ،
وقتادة : إن كان كثيرا وهو ألفان تصدق بعشره ، وإن كان متوسطا وهو ألف تصدق بسبعه ، وإن كان قليلا ، وهو خمسمائة تصدق بخمسه ، وعن
أبي حنيفة : يتصدق بالمال الزكوي كله ، وعنه في غيره روايتان .
إحداهما : يتصدق به .
والثانية : لا يلزم منه شيء ، وعن
النخعي ،
والبتي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يتصدق بماله كله ، وعن
الليث : إن كان مليا لزمه ، وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين ، ووافقه
ابن وهب ، وزاد : وإن كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله وهذا مروي أيضا عن
أبي حنيفة ، وهو قول
ربيعة كما تقدم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : لا يلزم شيء أصلا ، وقيل : يلزم الكل إلا في نذر اللجاج ، فكفارة
[ ص: 251 ] يمين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يلزمه إخراج ما لا يضر به . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وجماعة : يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل .
وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة :
فاعلم : أن أكثرها لا يعتضد بدليل ، والذي يعتضد بالدليل منها ثلاثة مذاهب :
الأول : هو ما قدمنا أنه أظهرها عندنا ، وهو الاكتفاء بالثلث .
والثاني : لزوم الصدقة بالمال كله .
والثالث : قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : أنه يلزمه إخراج ما لا يضر به ، أما الاكتفاء بالثلث الذي هو أقربها عندنا فقد يستدل له ببعض الأحاديث الصحيحة التي فيها النهي عن التصدق بالمال كله ، وفيها أن الثلث كثير .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه : باب إذا أهدى ماله على وجه النذر ، والتوبة : حدثنا
أحمد بن صالح ، حدثنا
ابن وهب أخبرني
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، أخبرني
عبد الرحمن بن عبد الله عن
عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد
كعب من بنيه حين عمي ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك يقول في حديثه :
وعلى الثلاثة الذين خلفوا [ 9 \ 118 ] فقال في آخر حديثه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009122إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " اهـ .
فظاهر هذا الحديث الصحيح : أن
كعبا غير مستشير بل مريد التجرد من جميع ماله على وجه النذر والتوبة ، كما في ترجمة الحديث ، وقد أمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يمسك بعض ماله ، وصرح له بأن ذلك خير له ، وقد جاء في بعض الروايات أنه فسر ذلك البعض الذي يمسكه بالثلثين ، وأنه يتصدق بالثلث ، وقال
ابن حجر في شرح هذا الحديث قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009123أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " زاد
أبو داود عن
أحمد بن صالح بهذا السند ، فقلت : إني أمسك سهمي الذي
بخيبر ، وهو عند المصنف من وجه آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، ووقع في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بهذا السند ، عند
أبي داود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009124إن من توبتي أن أخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة قال : لا ، قلت : فنصفه ؟ قال : لا ، قلت : فثلثه ؟ قال : نعم ، قلت : فإني سأمسك سهمي في خيبر " .
واعلم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في حديثه هذا عند
أبي داود ، صرح بالتحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، فأمن تدليسه ثم قال
ابن حجر : وأخرج من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
ابن [ ص: 252 ] كعب بن مالك ، عن أبيه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر الحديث وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009125وإني أنخلع من مالي كله صدقة ، قال : " يجزئ عنك الثلث " وفي حديث
أبي لبابة ، عند
أحمد وأبي داود مثله اهـ محل الغرض من فتح الباري .
وقد رأيت الروايات المصرحة بأنه يجزئه الثلث عن جميع المال ، وظاهر الحديث أنه جازم غير مستشير فمن زعم من أهل العلم أنه مستشير فهو مخالف لظاهر اللفظ ; لأن اللفظ مبدوء بجملة خبرية مؤكدة بحرف التوكيد ، الذي هو إن المكسورة في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009126إن من توبتي أن أنخلع من مالي ، واللفظ الذي هذه صفته ، لا يمكن حمله على التوقف والاستشارة ، كما ترى فقوله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=331لكعب بن مالك وأبي لبابة : إن الثلث يكفي عن الصدقة بجميع المال ، هو الدليل الذي ذكرنا بسببه : أن أقرب الأقوال عندنا الاكتفاء بالثلث . وأما قول من قال : يلزمه التصدق بجميعه ، فيستدل له بالحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009115من نذر أن يطيع الله فليطعه " وهو يدل على إيفائه بنذره ، ولو أتى على كل المال ، إلا أن دليل ما قبله أخص منه في محل النزاع والأخص مقدم على الأعم .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يلزمه التصدق بما لا يضر به فيستدل له بقوله تعالى :
ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو الآية [ 2 \ 216 ] ; لأن العفو في أصح التفسيرين ، هو ما لا يضر إنفاقه بالمنفق ، ولا يجحف به لإمساكه ما يسد خلته الضرورية ، وهذا قد يرجع إلى الأول ; لأن الثلث من العفو الذي لا يجحف به إنفاقه ، فأظهرها الأول كما ذكرنا وباقي الأقوال لا أعلم له دليلا متجها من كتاب ، ولا سنة ، وما وجه به تلك الأقوال بعض أهل العلم لا يتجه عندي ، والعلم عند الله تعالى .