قوله تعالى :
إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه يدفع السوء عن عباده الذين آمنوا به إيمانا حقا ، ويكفيهم شر أهل السوء ، وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى :
ومن يتوكل على الله فهو حسبه الآية [ 65 \ 3 ] ، وقوله :
أليس الله بكاف عبده [ 39 \ 36 ] وقوله تعالى :
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم [ 9 \ 14 - 15 ] وقوله تعالى :
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا الآية [ 40 \ 51 ] ، وقوله :
وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ 30 \ 47 ] وقوله :
وإن جندنا لهم الغالبون [ 37 \ 173 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وقرأ هذا الحرف
ابن كثير وأبو عمرو :
إن الله يدافع عن الذين آمنوا بفتح الياء والفاء بينهما دال ساكنة مضارع دفع المجرد ، وعلى هذه القراءة ، فالمفعول محذوف أي يدفع عن الذين آمنوا الشر والسوء ، ; لأن
الإيمان بالله هو أعظم أسباب دفع المكاره ، وقرأ الباقون : يدافع بضم الياء ، وفتح الدال بعدها ألف ، وكسر الفاء مضارع دافع المزيد فيه ألف بين الفاء والعين على وزن فاعل ، وفي قراءة الجمهور هذه إشكال معروف ، وهو أن المفاعلة تقتضي بحسب الوضع العربي اشتراك فاعلين في المصدر ، والله - جل وعلا - يدفع كل ما شاء من غير أن يكون له مدافع يدفع شيئا .
والجواب : هو ما عرف من أن المفاعلة قد ترد بمعنى المجرد ، نحو : جاوزت المكان بمعنى جزته ، وعاقبت اللص ، وسافرت ، وعافاك الله ، ونحو ذلك ، فإن فاعل في جميع ذلك بمعنى المجرد ، وعليه فقوله : يدافع بمعنى : يدفع ، كما دلت عليه قراءة
ابن كثير وأبي عمرو ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ومن قرأ يدافع فمعناه : يبالغ في الدفع عنهم كما يبالغ من يغالب فيه ; لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ اهـ منه ، ولا يبعد عندي أن يكون
[ ص: 262 ] وجه المفاعلة أن الكفار يستعملون كل ما في إمكانهم لإضرارهم بالمؤمنين ، وإيذائهم ، والله - جل وعلا - يدفع كيدهم عن المؤمنين ، فكان دفعه - جل وعلا - لقوة عظيمة أهلها في طغيان شديد ، يحاولون إلحاق الضرر بالمؤمنين وبهذا الاعتبار كان التعبير بالمفاعلة ، في قوله : يدافع ، وإن كان - جل وعلا - قادرا على إهلاكهم ، ودفع شرهم عن عباده المؤمنين ، ومما يوضح هذا المعنى الذي أشرنا إليه قول
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك - رضي الله عنه - :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها
وليغلبن مغالب الغلاب
والعلم عند الله تعالى : ومفعول يدافع : محذوف فعلى القول بأنه بمعنى : يدفع فقد ذكرنا تقديره ، وعلى ما أشرنا إليه أخيرا فتقدير المفعول : يدافع عنهم أعداءهم ، وخصومهم فيرد كيدهم في نحورهم .