قوله تعالى :
وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن اليوم عنده - جل وعلا - كألف سنة مما يعده خلقه ، وما ذكره هنا من كون اليوم عنده كألف سنة ، أشار إليه في سورة السجدة بقوله :
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ 32 \ 5 ] وذكر في سورة المعارج أن مقدار اليوم خمسون ألف سنة وذلك في قوله :
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الآية [ 70 \ 4 ] ، فآية الحج ، وآية السجدة متوافقتان تصدق كل واحدة منهما الأخرى ، وتماثلها في المعنى ، وآية المعارج تخالف ظاهرهما لزيادتها عليهما بخمسين ضعفا ، وقد ذكرنا وجه الجمع بين هذه الآيات في كتابنا : " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، وسنذكره إن شاء الله
[ ص: 278 ] هنا ملخصا مختصرا ، ونزيد عليه بعض ما تدعو الحاجة إليه .
فقد ذكرنا ما ملخصه : أن
أبا عبيدة روى عن
إسماعيل بن إبراهيم ، عن
أيوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، سئل عن هذه الآيات : فلم يدر ما يقوله فيها ، ويقول : لا أدري ، ثم ذكرنا أن للجمع بينهما وجهين : الأول : هو ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق
سماك ، عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج : هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ويوم الألف في سورة السجدة ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى ويوم الخمسين ألفا ، هو يوم القيامة .
الوجه الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن اختلاف زمن اليوم إنما هو باعتبار حال المؤمن ، وحال الكافر ; لأن يوم القيامة أخف على المؤمن منه على الكافر كما قال تعالى :
فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ 74 \ 9 - 10 ] اهـ ، ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان .
وذكرنا أيضا في كتابنا : " دفع إيهام الاضطراب ، عن آيات الكتاب " في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ 25 \ 24 ] ما ملخصه : أن آية الفرقان هذه تدل على انقضاء الحساب في نصف نهار ; لأن المقيل القيلولة أو مكانها وهي الاستراحة نصف النهار في الحر ، وممن قال بانقضاء الحساب في نصف نهار :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير لدلالة هذه الآية ، على ذلك ، كما نقله عنهم
ابن كثير وغيره .
وفي تفسير الجلالين ما نصه : وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهار ، كما ورد في حديث انتهى منه ، مع أنه تعالى ذكر أن
مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنة في قوله تعالى :
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ 70 \ 4 ] وهو يوم القيامة بلا خلاف في ذلك .
والظاهر في الجواب : أن يوم القيامة يطول على الكفار ويقصر على المؤمنين ، ويشير لهذا قوله تعالى بعد هذا بقليل
الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [ 25 \ 26 ] فتخصيصه عسر ذلك اليوم بالكافرين : يدل على أن المؤمنين
[ ص: 279 ] ليسوا كذلك وقوله تعالى :
فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ 74 \ 9 - 10 ] يدل بمفهوم مخالفته على أنه يسير على المؤمنين غير عسير كما دل عليه قوله تعالى :
مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : حدثني
يونس ، أنبأنا
ابن وهب ، أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث : أن
سعيدا الصواف حدثه أنه بلغه : أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين ، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وأنهم يتقلبون في رياض الجنة ، حتى يفرغ من الناس وذلك قوله :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ 25 \ 24 ] ونقله عنه
ابن كثير في تفسيره ، وأما على قول من فسر المقيل في الآية بأنه المأوى والمنزل
كقتادة - رحمه الله - ، فلا دلالة في الآية لشيء مما ذكرنا ، ومعلوم أن من كان في سرور ونعمة ، أنه يقصر عليه الزمن الطويل قصرا شديدا ، بخلاف من كان في العذاب المهين والبلايا والكروب ، فإن الزمن القصير يطول عليه جدا ، وهذا أمر معروف ، وهو كثير في كلام العرب ، وقد ذكرنا في كتابنا المذكور بعض الشواهد الدالة عليه ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=9809أبي سفيان بن الحارث - رضي الله عنه - يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول
وقول الآخر :
فقصارهن مع الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصار
وقول الآخر :
ليلى وليلي نفى نومي اختلافهما في الطول والطول طوبى لي لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت بالطول ليلى وإن جادت به بخلا
ونحو هذا كثير جدا في كلام العرب ، ومن أظرف ما قيل فيه ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17374يزيد بن معاوية أنه قال :
لا أسأل الله تغييرا لما فعلت نامت وقد أسهرت عيني عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها والليل أقصر شيء حين ألقاها
وقد ورد بعض الأحاديث بما يدل على ظاهر آية " الحج " ، وآية " السجدة " .
وسنذكر هنا طرفا منه بواسطة نقل
ابن كثير في تفسير هذه الآية من سورة " الحج " ، قال
ابن كثير : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14120الحسن بن عرفة ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان ، عن
[ ص: 280 ] محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009133يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام " ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
محمد بن عمرو به ، وقال
الترمذي : حسن صحيح .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موقوفا فقال : حدثني
يعقوب ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13999سعيد الجريري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
سمير بن نهار قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء ، بمقدار نصف يوم ، قلت : وما مقدار نصف يوم ؟ قال : أو ما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى قال :
وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] وقال
أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16713عمرو بن عثمان ، حدثنا
أبو المغيرة ، حدثني
صفوان عن
شريح بن عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009134إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم " قيل
لسعد : وكم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12260أحمد بن سنان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي ، عن
إسرائيل ، عن
سماك عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] قال : من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
ابن بشار ، عن
ابن المهدي وبه قال
مجاهد ،
وعكرمة ، ونص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في كتاب الرد على
الجهمية ، وقال
مجاهد : هذه الآية كقوله :
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ 32 \ 5 ] اهـ . محل الغرض من
ابن كثير ، وظواهر الأحاديث التي ساق يمكن الجمع بينها وبين ما ذكرنا من أن أصل اليوم كألف سنة ، ولكنه بالنسبة إلى المؤمنين يقصر ويخف ، حتى يكون كنصف نهار ، والله تعالى أعلم ، وقرأ هذا الحرف
ابن كثير ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( كألف سنة مما يعدون ) بياء الغيبة ، وقرأه الباقون تعدون بتاء الخطاب ومعنى القراءتين واضح ، والعلم عند الله تعالى .