قوله تعالى : وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ، أمر الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة : أنه إن جادله الكفار أي : خاصموه
[ ص: 299 ] بالباطل وكذبوه ، أن يقول لهم : الله أعلم بما تعملون .
وهذا القول الذي أمر به تهديد لهم فقد تضمنت هذه الآية أمرين :
أحدهما : أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يهددهم بقوله :
الله أعلم بما تعملون أي : من الكفر ، فمجازيكم عليه أشد الجزاء .
الثاني : الإعراض عنهم ، وقد أشار تعالى للأمرين اللذين تضمنتهما هذه الآية في غير هذا الموضع .
أما إعراضه عنهم عند تكذيبهم له بالجدال الباطل فمن المواضع التي أشير له فيها قوله تعالى :
وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [ 10 \ 41 ] .
وأما تهديدهم فقد أشار له في مواضع ; كقوله :
هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم [ 46 \ 8 ] وقوله :
فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ 6 \ 147 ] فقوله
ولا يرد بأسه الآية ، فيه أشد الوعيد للمكذبين ، كما قال
ويل يومئذ للمكذبين [ 77 \ 15 ] في مواضع متعددة ، وهم إنما يكذبونه بالجدال ، والخصام بالباطل . وقد أمره الله في غير هذا الموضع أن يجادلهم بالتي هي أحسن وذلك في قوله :
وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] وقوله :
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [ 29 \ 46 ] وبين له أنهم لا يأتونه بمثل ليحتجوا عليه به بالباطل ، إلا جاءه الله بالحق الذي يدمغ ذلك الباطل ، مع كونه أحسن تفسيرا وكشفا وإيضاحا للحقائق وذلك في قوله
ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [ 25 \ 33 ] .