[ ص: 305 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون
قوله تعالى :
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآيات التي ابتدأ بها أول هذه السورة علامات المؤمنين المفلحين فقال
قد أفلح المؤمنون [ 23 \ 1 ] أي : فازوا وظفروا بخير الدنيا والآخرة .
وفلاح المؤمنين مذكور ذكرا كثيرا في القرآن ; كقوله
وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا [ 33 \ 47 ] وقوله
الذين هم في صلاتهم خاشعون [ 23 \ 2 ] أصل الخشوع : السكون ، والطمأنينة ، والانخفاض ومنه قول
نابغة ذبيان :
رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع
وهو في الشرع : خشية من الله تكون في القلب ، فتظهر آثارها على الجوارح .
وقد عد الله الخشوع من صفات الذين أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما في قوله في الأحزاب
والخاشعين والخاشعات إلى قوله
أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [ 33 \ 35 ] .
وقد عد
الخشوع في الصلاة هنا من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ، وبين أن من لم يتصف بهذا الخشوع تصعب عليه الصلاة في قوله
وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين [ 2 \ 45 ] وقد استدل جماعة من أهل العلم بقوله
الذين هم في صلاتهم خاشعون على أن من خشوع المصلي : أن يكون نظره في صلاته إلى موضع سجوده ، قالوا : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى السماء في الصلاة ، فأنزل الله
الذين هم في صلاتهم خاشعون فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر حيث يسجد .
وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج
ابن مردويه ،
والحاكم وصححه ،
والبيهقي في سننه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=1009138 " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى رفع بصره إلى [ ص: 306 ] السماء فنزلت الذين هم في صلاتهم خاشعون [ 23 \ 2 ] فطأطأ رأسه " اهـ منه .
وأكثر أهل العلم على أن
المصلي ينظر إلى موضع سجوده ، ولا يرفع بصره ، وخالف المالكية الجمهور ، فقالوا : إن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى
فول وجهك شطر المسجد الحرام [ 2 \ 144 ] قالوا : فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء ، وذلك ينافي كمال القيام ، وظاهر قوله تعالى :
فول وجهك شطر المسجد الحرام ; لأن المنحني بوجهه إلى موضع سجوده ، ليس بمول وجهه شطر المسجد الحرام ، والجمهور على خلافهم كما ذكرنا .
واعلم أن معنى أفلح : نال الفلاح ، والفلاح يطلق في لغة العرب على معنيين :
الأول : الفوز بالمطلوب الأكبر ، ومنه قول
لبيد :
فاعقلي إن كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل
أي فاز من رزق العقل بالمطلوب الأكبر .
والثاني : هو إطلاق الفلاح على البقاء السرمدي في النعيم ، ومنه قول
لبيد أيضا في رجز له :
لو أن حيا مدرك الفلاح لناله ملاعب الرماح
يعني : مدرك البقاء ، ومنه بهذا المعنى قول
كعب بن زهير ، أو
الأضبط بن قريع :
لكل هم من الهموم سعه والمسى والصبح لا فلاح معه .
أي لا بقاء معه ، ولا شك أن من اتصف بهذه الصفات التي ذكرها الله في أول هذه السورة الكريمة دخل الجنة كما هو مصرح به في الآيات المذكورة ، وأن من دخل الجنة نال الفلاح بمعنييه المذكورين ، والمعنيان اللذان ذكرنا للفلاح بكل واحد منهما ، فسر بعض العلماء حديث الأذان والإقامة في لفظة : حي على الفلاح .