قوله تعالى : والذين هم للزكاة فاعلون ، في المراد بالزكاة هنا وجهان من التفسير معروفان عند أهل العلم :
أحدهما : أن المراد بها زكاة الأموال ، وعزاه
ابن كثير للأكثرين .
الثاني : أن المراد بالزكاة هنا : زكاة النفس أي : تطهيرها من الشرك ، والمعاصي بالإيمان بالله ، وطاعته وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام ، وعلى هذا فالمراد بالزكاة كالمراد بها في قوله
قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها [ 91 \ 9 - 10 ] وقوله
قد أفلح من تزكى الآية [ 87 \ 14 ] ، وقوله
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا [ 24 \ 21 ] وقوله
خيرا منه زكاة الآية [ 18 \ 81 ] وقوله
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة [ 41 \ 6 - 7 ] على أحد التفسيرين ، وقد يستدل لهذا القول الأخير بثلاث قرائن :
الأولى : أن هذه السورة مكية ، بلا خلاف ، والزكاة إنما فرضت
بالمدينة كما هو معلوم ، فدل على أن قوله
والذين هم للزكاة فاعلون نزل قبل فرض زكاة الأموال المعروفة ، فدل على أن المراد به غيرها .
القرينة الثانية : هي أن المعروف في زكاة الأموال : أن يعبر عن أدائها بالإيتاء ; كقوله تعالى
وآتوا الزكاة [ 2 \ 43 ] وقوله
وإيتاء الزكاة [ 21 \ 73 ] ونحو ذلك . وهذه الزكاة المذكورة هنا ، لم يعبر عنها بالإيتاء ، بل قال تعالى فيها
والذين هم للزكاة فاعلون [ 23 \ 4 ] فدل على أن هذه الزكاة : أفعال المؤمنين المفلحين ، وذلك أولى بفعل الطاعات ، وترك المعاصي من أداء مال .
الثالثة : أن زكاة الأموال تكون في القرآن عادة مقرونة بالصلاة ، من غير فصل
[ ص: 308 ] بينهما كقوله
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ 2 \ 110 ] وقوله
وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة [ 2 \ 277 ] وقوله
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة [ 21 \ 73 ] وهذه الزكاة المذكورة هنا فصل بين ذكرها ، وبين ذكر الصلاة بجملة
والذين هم عن اللغو معرضون [ 23 \ 3 ] .
والذين قالوا المراد بها زكاة الأموال ، قالوا : إن أصل الزكاة فرض
بمكة قبل الهجرة ، وأن الزكاة التي فرضت
بالمدينة سنة اثنتين هي ذات النصب ، والمقادير الخاصة .
وقد أوضحنا هذا القول في الأنعام في الكلام على قوله تعالى
وآتوا حقه يوم حصاده [ 141 ] وقد يستدل ; لأن المراد بالزكاة في هذه الآية غير الأعمال التي تزكى بها النفوس من دنس الشرك والمعاصي ، بأنا لو حملنا معنى الزكاة على ذلك ، كان شاملا لجميع صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة ، فيكون كالتكرار معها ، والحمل على التأسيس والاستقلال أولى من غيره ، كما تقرر في الأصول ، وقد أوضحناه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى
فلنحيينه حياة طيبة الآية [ 6 \ 97 ] والذين قالوا : هي زكاة الأموال قالوا : فاعلون أي : مؤدون ، قالوا : وهي لغة معروفة فصيحة ، ومنها قول
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت :
المطعمون الطعام في السنة الأز مة والفاعلون للزكوات
وهو واضح ، بحمل الزكاة على المعنى المصدري بمعنى التزكية للمال ; لأنها فعل المزكي كما هو واضح ، ولا شك أن تطهير النفس بأعمال البر ، ودفع زكاة المال كلاهما من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الجنة .
وقد قال
ابن كثير - رحمه الله - : وقد يحتمل أن المراد بالزكاة ها هنا : زكاة النفس من الشرك ، والدنس إلى أن قال ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا وهو زكاة النفوس ، وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس ، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم ، اهـ منه .