مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى : اعلم أن ما في قوله :
أو ما ملكت أيمانهم [ 23 \ 6 ] من صيغ العموم ، والمراد بها من وهي من صيغ العموم ، فآية
قد أفلح المؤمنون [ 23 \ 1 ] وآية
سأل سائل [ 70 \ 1 ] تدل بعمومها المدلول عليه بلفظة ما ، في قوله
أو ما ملكت أيمانهم في الموضعين على جواز جمع الأختين بملك اليمين في التسري بهما معا لدخولهما في عموم
أو ما ملكت أيمانهم وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري ، ومن تبعه : ولكن قوله تعالى :
وأن تجمعوا بين الأختين [ 4 \ 23 ] يدل بعمومه على منع
جمع الأختين بملك اليمين ; لأن الألف واللام في الأختين صيغة عموم ، تشمل كل أختين ، سواء كانتا بعقد أو ملك يمين ولذا قال
عثمان - رضي الله عنه - ، لما سئل عن جمع الأختين بملك اليمين : أحلتهما آية ، وحرمتهما أخرى يعني بالآية المحللة
أو ما ملكت أيمانهم وبالمحرمة
وأن تجمعوا بين الأختين .
وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " وسنذكر هنا إن شاء الله المهم مما ذكرنا فيه ونزيد ما تدعو الحاجة إلى زيادته .
وحاصل تحرير المقام في ذلك : أن الآيتين المذكورتين بينهما عموم ، وخصوص من وجه ، يظهر للناظر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها كما قال
عثمان - رضي الله عنه - : أحلتهما آية ، وحرمتهما أخرى وإيضاحه أن آية :
وأن تجمعوا بين الأختين تنفرد عن آية
أو ما ملكت أيمانهم في الأختين المجموع بينهما ، بعقد نكاح
[ ص: 310 ] وتنفرد آية
أو ما ملكت أيمانهم في الأمة الواحدة ، أو الأمتين اللتين ليستا بأختين ، ويجتمعان في الجمع بين الأختين ، فعموم
وأن تجمعوا بين الأختين يقتضي تحريمه ، وعموم
أو ما ملكت أيمانهم يقتضي إباحته ، وإذا تعارض الأعمان من وجه في الصورة التي يجتمعان فيها وجب الترجيح بينهما ، والراجح منهما ، يقدم ويخصص به عموم الآخر ، كما أشار له في مراقي السعود بقوله :
وإن يك العموم من وجه ظهر فالحكم بالترجيح حتما معتبر
وإذا علمت ذلك فاعلم أن عموم
وأن تجمعوا بين الأختين مرجح من خمسة أوجه على عموم
أو ما ملكت أيمانهم :
الأول : منها أن عموم
وأن تجمعوا بين الأختين نص في محل المدرك المقصود بالذات ; لأن السورة سورة النساء : وهي التي بين الله فيها من تحل منهن ، ومن لا تحل ، وآية
أو ما ملكت أيمانهم في الموضعين لم تذكر من أجل تحريم النساء ، ولا تحليلهن بل ذكر الله صفات المؤمنين التي يدخلون بها الجنة ، فذكر من جملتها حفظ الفرج ، فاستطرد أنه لا يلزم حفظه عن الزوجة والسرية . وقد تقرر في الأصول : أن
أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها ، لا من مظانها .
الوجه الثاني : أن آية
أو ما ملكت أيمانهم ليست باقية على عمومها بإجماع المسلمين ; لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين ، إجماعا للإجماع على أن عموم أو ما ملكت أيمانهم يخصصه عموم
وأخواتكم من الرضاعة [ 4 \ 23 ] وموطوءة الأب لا تحل بملك اليمين إجماعا ، للإجماع على أن عموم
أو ما ملكت أيمانهم يخصصه عموم
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الآية [ 4 \ 22 ] ، والأصح عند الأصوليين في تعارض العام الذي دخله التخصيص ، مع العام الذي لم يدخله التخصيص : هو تقديم الذي لم يدخله التخصيص ، وهذا هو قول جمهور أهل الأصول ، ولم أعلم أحدا خالف فيه ، إلا
صفي الدين الهندي ،
والسبكي .
وحجة الجمهور أن العام المخصص ، اختلف في كونه حجة في الباقي ، بعد التخصيص ، والذين قالوا : هو حجة في الباقي ، قال جماعة منهم : هو مجاز في الباقي ، وما اتفق على أنه حجة ، وأنه حقيقة ، وهو الذي لم يدخله التخصيص أولى مما اختلف في حجيته ، وهل هو حقيقة ، أو مجاز ؟ وإن كان الصحيح : أنه حجة في الباقي ، وحقيقة فيه ;
[ ص: 311 ] لأن مطلق حصول الخلاف فيه يكفي في ترجيح غيره عليه ، وأما حجة
صفي الدين الهندي والسبكي ، على تقديم الذي دخله التخصيص فهي أن الغالب في العام التخصيص ، والحمل على الغالب أولى ، وأن ما دخله التخصيص يبعد تخصيصه مرة أخرى ، بخلاف الباقي على عمومه .
الوجه الثالث : أن عموم
وأن تجمعوا بين الأختين غير وارد في معرض مدح ولا ذم وعموم
أو ما ملكت أيمانهم وارد في معرض مدح المتقين ، والعام الوارد في معرض المدح أو الذم .
اختلف العلماء في اعتبار عمومه ، فأكثر العلماء : على أن عمومه معتبر ; كقوله تعالى :
إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم [ 82 \ 13 - 14 ] فإنه يعم كل بر مع أنه للمدح ، وكل فاجر مع أنه للذم قال في مراقي السعود :
وما أتى للمدح أو للذم يعم عند جل أهل العلم
وخالف في ذلك بعض العلماء منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي - رحمه الله - ، قائلا : إن العام الوارد في معرض المدح ، أو الذم لا عموم له ; لأن المقصود منه الحث في المدح والزجر في الذم ، ولذا لم يأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي بعموم قوله تعالى :
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله [ 9 \ 34 ] في الحلي المباح ; لأن الآية سيقت للذم ، فلا تعم عنده الحلي المباح .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن العام الذي لم يقترن بما يمنع اعتبار عمومه أولى من المقترن بما يمنع اعتبار عمومه ، عند بعض العلماء .
الوجه الرابع : أنا لو سلمنا المعارضة بين الآيتين ، فالأصل في الفروج التحريم ، حتى يدل دليل لا معارض له على الإباحة .
الوجه الخامس : أن العموم المقتضي للتحريم أولى من المقتضي للإباحة ; لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام .
فهذه الأوجه الخمسة يرد بها استدلال
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري ، ومن تبعه على إباحته جمع الأختين بملك اليمين ، محتجا بقوله :
أو ما ملكت أيمانهم ولكن
داود يحتج بآية أخرى يعسر التخلص من الاحتجاج بها ، بحسب المقرر في أصول الفقه المالكي والشافعي والحنبلي ، وإيضاح ذلك أن المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين أنه إن ورد استثناء
[ ص: 312 ] بعد جمل متعاطفة ، أو مفردات متعاطفة ، أن الاستثناء المذكور يرجع لجميعها خلافا
لأبي حنيفة القائل يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط ، قال في مراقي السعود :
وكل ما يكون فيه العطف من قبل الاستثنا فكلا يقفو
دون دليل العقل أو ذي السمع
، إلخ .
وإذا علمت أن المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين رجوع الاستثناء لكل المتعاطفات ، وأنه لو
قال الواقف في صيغة وقفه : هو وقف على بني تميم وبني زهرة والفقراء إلا الفاسق منهم ، أنه يخرج من الوقف فاسق الجميع لرجوع الاستثناء إلى الجميع ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وحده هو القائل برجوعه إلى الجملة الأخيرة فقط ، ولذلك لم يقبل شهادة القاذف ، ولو تاب وأصلح ، وصار أعدل أهل زمانه ; لأن قوله تعالى :
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا [ 24 \ 4 - 5 ] يرجع عنده الاستثناء فيه للأخيرة فقط وهي
وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا أي : فقد زال عنهم اسم الفسق ، ولا يقبل رجوعه ; لقوله تعالى
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا ، فاقبلوا شهادتهم بل يقول : لا تقبلوا لهم شهادة أبدا مطلقا بلا استثناء ; لاختصاص الاستثناء عنده بالجملة الأخيرة ، ولم يخالف
أبو حنيفة أصوله في قوله
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون إلى قوله :
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا الآية [ 25 \ 68 - 70 ] ، فإن هذا الاستثناء راجع لجميع الجمل المتعاطفة قبله عند
أبي حنيفة ، وغيره .
ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة لم يخالف فيه أصله ; لأن الجمل الثلاث المذكورة جمعت في الجملة الأخيرة ، التي هي
ومن يفعل ذلك يلق أثاما [ 25 \ 68 ] ; لأن الإشارة في قوله : ذلك راجعة إلى الشرك ، والقتل والزنى في الجمل المتعاطفة قبله فشملت الجملة الأخيرة معاني الجمل قبلها ، فصار رجوع الاستثناء لها وحدها ، عند
أبي حنيفة ، على أصله المقرر : مستلزما لرجوعه للجميع .
وإذا حققت ذلك فاعلم أن
داود يحتج لجواز جمع الأختين بملك اليمين أيضا
[ ص: 313 ] برجوع الاستثناء في قوله
أو ما ملكت أيمانهم لقوله
وأن تجمعوا بين الأختين فيقول : قوله تعالى :
وأن تجمعوا بين الأختين وقوله :
والمحصنات من النساء [ 4 \ 24 ] يرجع لكل منهما استثناء في قوله :
إلا ما ملكت أيمانكم فيكون المعنى : وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين ، إلا ما ملكت أيمانكم فلا يحرم عليكم فيه الجمع بينهما ، وحرمت عليكم المحصنات من النساء ، إلا ما ملكت أيمانكم ، فلا يحرم عليكم .
وقد أوضحنا معنى الاستثناء من المحصنات في محله من هذا الكتاب المبارك ، وبهذا تعلم أن احتجاج
داود برجوع الاستثناء في قوله
أو ما ملكت أيمانهم إلى قوله :
وأن تجمعوا بين الأختين جار على أصول المالكية والشافعية والحنابلة ، فيصعب عليهم التخلص من احتجاج
داود هذا .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي أن الجواب عن استدلال
داود المذكور من وجهين :
الأول منهما : أن في الآية نفسها قرينة مانعة من رجوع الاستثناء ، إلى قوله :
وأن تجمعوا بين الأختين لما قدمنا من أن قوله
إلا ما ملكت أيمانكم أي : بالسبي خاصة مع الكفر ، وأن المعنى والمحصنات من النساء ، إلا ما ملكت أيمانكم أي : وحرمت عليكم المتزوجات من النساء ; لأن المتزوجة لا تحل لغير زوجها إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي مع الكفر فإن السبي يرفع حكم الزوجية عن المسبية ، وتحل لسابيها بعد الاستبراء كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
وذات حليل أنكحتها رماحنا حلال لمن يبني بها لم تطلق
وإذا كان ملك اليمين في قوله :
إلا ما ملكت أيمانكم في السبي خاصة كما هو مذهب الجمهور كان ذلك مانعا من رجوعه إلى قوله :
وأن تجمعوا بين الأختين ; لأن محل النزاع في ملك اليمين مطلقا ، وقد قدمنا في سورة النساء أن قول من قال :
إلا ما ملكت أيمانكم مطلقا ، وأن بيع الأمة طلاقها أنه خلاف التحقيق ، وأوضحنا الأدلة على ذلك .
الوجه الثاني : هو أن استقراء القرآن يدل على أن الصواب في رجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله أو بعضها ، يحتاج إلى دليل منفصل ; لأن الدليل قد يدل على
[ ص: 314 ] رجوعه للجميع أو لبعضها دون بعض . وربما دل الدليل على عدم رجوعه للأخيرة التي تليه ، وإذا كان الاستثناء ربما كان راجعا لغير الجملة الأخيرة التي تليه ، تبين أنه لا ينبغي الحكم برجوعه إلى الجميع إلا بعد النظر في الأدلة ، ومعرفة ذلك منها . وهذا القول الذي هو الوقف عن رجوع الاستثناء إلى الجميع أو بعضها المعين ، دون بعض ، إلا بدليل مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب من المالكية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي من الشافعية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي من الحنابلة ، واستقراء القرآن يدل على أن هذا القول هو الأصح ; لأن الله يقول :
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية [ 4 \ 59 ] وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ، وجدنا القرآن دالا على صحة هذا القول ، وبه يندفع أيضا استدلال
داود .
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى :
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا [ 4 \ 92 ] فالاستثناء راجع للدية ، فهي تسقط بتصدق مستحقها بها ، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولا واحدا ; لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ ، ومنها قوله تعالى :
فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا الآية [ 24 \ 4 - 5 ] فالاستثناء لا يرجع لقوله
فاجلدوهم ثمانين جلدة [ 24 \ 4 ] ; لأن
القاذف إذا تاب لا تسقط توبته حد القذف .
وما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي من أنها تسقطه ، خلاف التحقيق الذي هو مذهب جماهير العلماء ومنها قوله تعالى :
فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق [ 4 \ 89 - 90 ] .
فالاستثناء في قوله :
إلا الذين يصلون إلى قوم الآية لا يرجع قولا واحدا ، إلى الجملة الأخيرة ، التي تليه أعني قوله تعالى :
ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا [ 4 \ 89 ] ; لأنه لا يجوز اتخاذ ولي ولا نصير من الكفار أبدا ، ولو وصلوا إلى قوم بينكم ، وبينهم ميثاق ، بل الاستثناء راجع للأخذ والقتل في قوله :
فخذوهم واقتلوهم [ 4 \ 89 ] والمعنى : فخذوهم بالأسر واقتلوهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم ، وبينهم ميثاق ، فليس لكم أخذهم بأسر ، ولا قتلهم ; لأن الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم ، وقتلهم كما اشترطه
هلال بن عويمر الأسلمي في صلحه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكروا أن هذه الآية نزلت فيه وفي
سراقة بن مالك المدلجي ، وفي
بني جذيمة بن عامر وإذا كان الاستثناء ربما لم يرجع لأقرب الجمل إليه في القرآن العظيم : الذي هو في الطرف الأعلى
[ ص: 315 ] من الإعجاز تبين أنه ليس نصا في الرجوع إلى غيرها .
ومن ذلك أيضا قوله تعالى :
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا [ 4 \ 83 ] على ما قاله : جماعات من المفسرين ; لأنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعوا الشيطان ، كلا بدون استثناء ، قليل أو كثير كما ترى .
واختلفوا في مرجع هذا الاستثناء ، فقيل : راجع لقوله :
أذاعوا به [ 4 \ 83 ] وقيل : راجع لقوله
لعلمه الذين يستنبطونه منهم [ 4 \ 83 ] وإذا لم يرجع للجملة التي تليه ، لم يكن نصا في رجوعه لغيرها .
وقيل : إن هذا الاستثناء راجع للجملة التي تليه ، وأن المعنى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته بإرسال
محمد - صلى الله عليه وسلم - لاتبعتم الشيطان في الاستمرار ، على ملة آبائكم من الكفر ، وعبادة الأوثان إلا قليلا كمن كان على ملة
إبراهيم في الجاهلية ،
كزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل ، وأمثالهم .
وذكر
ابن كثير أن
عبد الرزاق روى عن
معمر عن
قتادة في قوله :
لاتبعتم الشيطان إلا قليلا معناه : لاتبعتم الشيطان كلا ، قال : والعرب تطلق القلة ، وتريد بها العدم ، واستدل قائل هذا القول بقول
الطرماح بن حكيم يمدح
nindex.php?page=showalam&ids=17357يزيد بن المهلب :
أشم ندي كثير النوادي قليل المثالب والقادحه
يعني : لا مثلبة فيه ، ولا قادحة . وهذا القول ليس بظاهر كل الظهور ، وإن كانت العرب تطلق القلة في لغتها ، وتريد بها العدم كقولهم : مررت بأرض قليل بها الكراث والبصل ، يعنون لا كراث فيها ولا بصل ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة قليل بها الأصوات إلا بغامها
يريد : أن تلك الفلاة لا صوت فيها غير بغام ناقته . وقول الآخر :
فما بأس لو ردت علينا تحية قليلا لدى من يعرف الحق عابها
يعني لا عاب فيها أي : لا عيب فيها عند من يعرف الحق ، وأمثال هذا كثير في كلام العرب . وبالآيات التي ذكرنا تعلم : أن الوقف عن القطع برجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله إلا لدليل ، هو الذي دل عليه القرآن في آيات متعددة ، وبدلالتها يرد استدلال
داود المذكور أيضا والعلم عند الله تعالى .