قوله تعالى :
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
الآية ، معنى هذه الآية الكريمة أن من جاءه موعظة من ربه يزجره بها عن أكل الربا فانتهى أي : ترك
المعاملة بالربا ; خوفا من الله تعالى وامتثالا لأمره فله ما سلف أي : ما مضى قبل نزول التحريم من أموال الربا ، ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الله
لا يؤاخذ الإنسان بفعل أمر إلا بعد أن يحرمه عليه ، وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ، فقد قال في الذين كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون مال الميسر قبل نزول التحريم :
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية [ 5 \ 93 ] .
[ ص: 160 ] وقال في الذين كانوا يتزوجون أزواج آبائهم قبل التحريم :
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [ 4 \ 22 ] ، أي : لكن ما سلف قبل التحريم فلا جناح عليكم فيه ونظيره قوله تعالى :
وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف الآية [ 4 \ 23 ] .
وقال في الصيد قبل التحريم : عفا الله عما سلف الآية [ 5 \ 95 ] .
وقال في الصلاة إلى
بيت المقدس قبل نسخ استقباله :
وما كان الله ليضيع إيمانكم [ 2 \ 143 ] ، أي : صلاتكم إلى
بيت المقدس قبل النسخ .
ومن أصرح الأدلة في هذا المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين لما استغفروا لقربائهم الموتى من المشركين وأنزل الله تعالى :
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم [ 9 \ 113 ] ، وندموا على استغفارهم للمشركين أنزل الله في ذلك :
وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ 9 \ 115 ] ، فصرح بأنه لا يضلهم بفعل أمر إلا بعد بيان اتقائه .