قوله تعالى :
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ، اختلف العلماء في المراد بالحق في هذه الآية ، فقال بعضهم : الحق : هو الله تعالى ، ومعلوم أن الحق من أسمائه الحسنى ، كما في قوله تعالى :
ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ 24 \ 25 ] وقوله :
ذلك بأن الله هو الحق [ 22 \ 6 ] وكون المراد بالحق في الآية : هو الله عزاه
القرطبي للأكثرين ، وممن قال به :
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ،
وأبو صالح ،
والسدي ، وروي عن
قتادة ، وغيرهم .
وعلى هذا القول فالمعنى لو أجابهم الله إلى تشريع ما أحبوا تشريعه وإرسال من اقترحوا إرساله ، بأن جعل أمر التشريع وإرسال الرسل ونحو ذلك تابعا لأهوائهم الفاسدة ، لفسدت السماوات والأرض ، ومن فيهن ; لأن أهواءهم الفاسدة وشهواتهم الباطلة ، لا يمكن أن تقوم عليها السماء والأرض وذلك لفساد أهوائهم ، واختلافها . فالأهواء الفاسدة المختلفة لا يمكن أن يقوم عليها نظام السماء والأرض ومن فيهن ، بل لو كانت هي المتبعة لفسد الجميع .
ومن الآيات الدالة على أن أهواءهم لا تصلح ; لأن تكون متبعة قوله تعالى :
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] ; لأن القرآن لو أنزل على أحد الرجلين المذكورين ، وهو كافر يعبد الأوثان فلا فساد أعظم من ذلك ، وقد رد الله عليهم بقوله :
أهم يقسمون رحمة ربك الآية [ 43 \ 32 ] ، وقال تعالى :
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا [ 7 \ 100 ] وقال تعالى :
أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا [ 4 \ 53 ] قال
ابن كثير - رحمه الله - : ففي هذا كله تبيين عجز العباد ، واختلاف آرائهم وأهوائهم ، وأنه تعالى هو
[ ص: 343 ] الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه سبحانه وتعالى علوا كبيرا .
ومما يوضح أن الحق لو اتبع الأهواء الفاسدة المختلفة لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن قوله تعالى :
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ]
فسبحان الله رب العرش عما يصفون .
القول الثاني : أن المراد بالحق في الآية : الحق الذي هو ضد الباطل المذكور في قوله قبله :
وأكثرهم للحق كارهون [ 23 \ 70 ] وهذا القول الأخير اختاره
ابن عطية ، وأنكر الأول .
وعلى هذا القول فالمعنى : أنه لو فرض كون الحق متبعا لأهوائهم ، التي هي الشرك بالله ، وادعاء الأولاد ، والأنداد له ونحو ذلك لفسد كل شيء ; لأن هذا الفرض يصير به الحق ، هو أبطل الباطل ، ولا يمكن أن يقوم نظام السماء والأرض على شيء ، هو أبطل الباطل ; لأن استقامة نظام هذا العالم لا تمكن إلا بقدرة وإرادة إله هو الحق منفرد بالتشريع ، والأمر والنهي كما لا يخفى على عاقل والعلم عند الله تعالى .