[ مبحث في الربا ]
قوله تعالى :
يمحق الله الربا ، صرح في هذه الآية الكريمة بأنه يمحق الربا أي : يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به كما قاله
ابن كثير وغيره ، وما ذكر هنا من محق الربا ، أشار إليه في مواضع أخر كقوله :
وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله [ 30 \ 39 ] ، وقوله :
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث الآية [ 5 \ 100 ] ، وقوله :
ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ، كما أشار إلى ذلك
ابن كثير في تفسير هذه الآية .
واعلم أن الله صرح بتحريم الربا بقوله :
وحرم الربا [ 2 \ 235 ] ، وصرح بأن
المتعامل بالربا محارب الله بقوله :
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [ 2 \ 278 ، 279 ] .
وصرح بأن آكل الربا لا يقوم أي : من قبره يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس بقوله :
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا [ 2 \ 275 ]
[ ص: 161 ] والأحاديث في ذلك كثيرة جدا .
واعلم أن الربا منه ما أجمع المسلمون على منعه ولم يخالف فيه أحد وذلك كربا الجاهلية ، وهو أن يزيده في الأجل على أن يزيده الآخر في قدر الدين ، وربا النساء بين الذهب والذهب ، والفضة والفضة ، وبين الذهب والفضة ، وبين البر والبر ، وبين الشعير والشعير ، وبين التمر والتمر ، وبين الملح والملح ، وكذلك بين هذه الأربعة بعضها مع بعض .
وكذلك حكى غير واحد الإجماع على
تحريم ربا الفضل ، بين كل واحد من الستة المذكورة فلا يجوز الفضل بين الذهب والذهب ، ولا بين الفضة والفضة ، ولا بين البر والبر ، ولا بين الشعير والشعير ، ولا بين التمر والتمر ، ولا بين الملح والملح ، ولو يدا بيد .
والحق الذي لا شك فيه منع ربا الفضل في النوع الواحد من الأصناف الستة المذكورة ، فإن قيل : ثبت في " الصحيح " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007188لا ربا إلا في النسيئة " وثبت في " الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007189عن أبي المنهال أنه قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصرف ، فقال : " ما كان منه يدا بيد فلا بأس ، وما كان منه نسيئة فلا " ، فالجواب من أوجه : الأول : أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواز الفضل ومنع النسيئة فيما رواه عنه
أسامة ،
والبراء ،
وزيد ، إنما هو في جنسين مختلفين ، بدليل الروايات الصحيحة المصرحة بأن ذلك هو محل جواز التفاضل ، وأنه في الجنس الواحد ممنوع .
واختار هذا الوجه
البيهقي في " السنن الكبرى " ، فإنه قال بعد أن ساق الحديث الذي ذكرنا آنفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ،
nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم ، ما نصه : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح عن
أبي عاصم ، دون ذكر
عامر بن مصعب ، وأخرجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15697حجاج بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، مع ذكر
عامر بن مصعب ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14529محمد بن حاتم بن ميمون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
أبي المنهال ، قال : باع شريك لي ورقا بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج ، فذكره وبمعناه رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [ ص: 162 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، عن
سفيان ، وكذلك رواه
أحمد بن روح عن
سفيان ، وروي عن
الحميدي عن
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
أبي المنهال ، قال : باع شريك لي
بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل .
عندي أن هذا خطأ ، والصحيح ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ،
ومحمد بن حاتم ، وهو المراد بما أطلق في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، فيكون الخبر واردا في بيع الجنسين ، أحدهما بالآخر ، فقال : " ما كان منه يدا بيد فلا بأس ، وما كان منه نسيئة فلا " ، وهو المراد بحديث
أسامة ، والله أعلم .
والذي يدل على ذلك أيضا ما أخبرنا به
nindex.php?page=showalam&ids=15013أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد : أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12035أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13843أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، حدثنا
أبو عمر ، حدثنا
شعبة ، أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب هو ابن أبي ثابت ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007190سمعت أبا المنهال قال : سألت البراء nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الورق بالذهب دينا ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الصحيح " عن
أبي عمر حفص بن عمر ، وأخرجه
مسلم من وجه آخر عن
شعبة اهـ من
البيهقي بلفظه ، وهو واضح جدا فيما ذكرنا من أن المراد بجواز الفضل المذكور كونه في جنسين لا جنس واحد .
وفي تكملة " المجموع " بعد أن ساق الكلام الذي ذكرنا عن
البيهقي ما نصه : ولا حجة لمتعلق فيهما ; لأنه يمكن حمل ذلك على أحد أمرين ، إما أن يكون المراد بيع دراهم بشيء ليس ربويا ، ويكون الفساد لأجل التأجيل بالموسم أو الحج ، فإنه غير محرر ولا سيما على ما كانت العرب تفعل .
والثاني : أن يحمل ذلك على اختلاف الجنس ويدل له رواية أخرى
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007191عن أبي المنهال ، قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالورق دينا ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، وهذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم بمعناه . وفي لفظ
مسلم عن بيع الورق بالذهب دينا ، فهو يبين أن المراد صرف الجنس بجنس آخر .
وهذه الرواية ثابتة من حديث
شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت عن
أبي المنهال ، والروايات الثلاث الأول رواية
الحميدي ، واللتان في " الصحيح " وكلها أسانيدها في غاية الجودة .
[ ص: 163 ] ولكن حصل الاختلاف في
سفيان فخالف
الحميدي nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ،
ومحمد بن حاتم ،
ومحمد بن منصور ، وكل من
الحميدي nindex.php?page=showalam&ids=16604وعلي بن المديني في غاية الثبت . ويترجح
nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني هنا بمتابعة
محمد بن حاتم ،
ومحمد بن منصور له ، وشهادة
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج لروايته ، وشهادة رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت لرواية شيخه ، ولأجل ذلك قال
البيهقي رحمه الله : إن رواية من قال إنه باع دراهم بدراهم خطأ عنده . اهـ منه بلفظه .
وقال
ابن حجر في " فتح الباري " ما نصه : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري معنى حديث
أسامة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007188لا ربا إلا في النسيئة " إذا اختلفت أنواع البيع . اهـ محل الغرض منه بلفظه ، وهو موافق لما ذكر . وقال في " فتح الباري " أيضا ما نصه :