قوله تعالى :
قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ، في هذه الآية سؤال معروف : وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا أجابوا بأنهم لبثوا يوما أو بعض يوم ، مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب كقوله تعالى :
يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا [ 20 \ 103 ] والعشر أكثر من يوم أو بعضه ، وكقوله تعالى :
ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [ 30 \ 55 ]
[ ص: 362 ] والساعة : أقل من يوم أو بعضه ، وقوله :
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ 79 \ 46 ] وقوله :
كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم [ 10 \ 45 ] وقوله تعالى :
لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون [ 46 \ 35 ] .
وقد بينا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الكلام على هذه الآية بما حاصله : أن بعضهم يقول لبثنا يوما أو بعض يوم ، ويقول بعض آخر منهم : لبثنا ساعة ويقول بعض آخر منهم : لبثنا عشرا .
والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه تعالى بين أن أقواهم إدراكا ، وأرجحهم عقلا ، وأمثلهم طريقة هو من يقول : إنهم ما لبثوا إلا يوما واحدا ، وذلك في قوله تعالى :
يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما [ 20 \ 103 - 104 ] فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم ، وعلى ذلك فلا إشكال والعلم عند الله تعالى .
وقوله تعالى :
فاسأل العادين ، أي : الحاسبين ، الذين يضبطون مدة لبثنا ، وقرأ
ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بنقل حركة الهمزة إلى السين ، وحذف الهمزة ، والباقون : فاسأل بغير نقل ، وقرأ
ابن كثير وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : قل كم لبثتم بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر ، وقرأ الباقون : قال كم لبثتم بفتح القاف بعدها ألف وفتح اللام بصيغة الفعل الماضي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ما حاصله : إنه على قراءة قال بصيغة الماضي فالفاعل ضمير يعود إلى الله ، أو إلى من أمر بسؤالهم من الملائكة ، وعلى قراءة قل بصيغة الأمر ، فالضمير راجع إلى الملك المأمور بسؤالهم أو بعض رؤساء أهل النار هكذا قال ، والله تعالى أعلم .
وقد صدقهم الله - جل وعلا - في قلة لبثهم في الدنيا بقوله :
قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [ 23 \ 114 ] .
لأن مدة مكثهم في الدنيا قليلة جدا ، بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار ، والعياذ بالله . وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : قل إن لبثتم إلا قليلا بصيغة الأمر والباقون بصيغة الماضي .