الفرع الرابع : اعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في اشتراط
اتحاد المجلس لشهادة شهود الزنا ، وعلى اشتراط ذلك لو شهدوا في مجلسين أو مجالس متفرقة ، بطلت شهادتهم ، وحدوا حد القذف ، وعلى عدم اشتراط اتحاد المجلس تصح شهادتهم ولو جاءوا متفرقين ، وأدوا شهادتهم في مجالس متعددة ، وممن قال باشتراط اتحاد المجلس :
مالك وأصحابه ،
وأبو حنيفة وأصحابه ،
وأحمد وأصحابه ، وممن قال بعدم اشتراط اتحاد المجلس :
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي ،
وابن المنذر .
قال في المغني : وإنما قالوا بعدم اشتراط ذلك لقوله تعالى :
لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء [ 24 \ 13 ] ، ولم يذكر المجلس . وقال تعالى :
فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت [ 4 \ 15 ] ، ولأن كل شهادة مقبولة ، إن اتفقت تقبل إذا افترقت في مجالس كسائر الشهادات ، ولنا أن
أبا بكرة ،
ونافعا ،
وشبل بن معبد شهدوا عند
عمر - رضي الله عنه - على
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة بالزنى ولم يشهد زياد فحد الثلاثة ، ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم ; لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ; ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ، ثم جاء رابع فشهد لم تقبل شهادته ، ولولا اشتراط اتحاد المجلس لكملت شهادتهم ، وبهذا فارق سائر الشهادات .
[ ص: 377 ] وأما الآية فإنها لم تتعرض للشروط ، ولهذا لم تذكر العدالة ، وصفة الزنى ; ولأن قوله :
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم [ 24 \ 4 ] ، لا يخلو من أن يكون مطلقا في الزمان كله أو مقيدا ، ولا يجوز أن يكون مطلقا ; لأنه يمنع من جواز جلدهم ، لأنه ما من زمن إلا يجوز أن يأتي فيه بأربعة شهداء ، أو بكمالهم إن كان قد شهد بعضهم فيمتنع جلدهم المأمور به ، فيكون تناقضا ، وإذا ثبت أنه مقيد فأولى ما قيد به المجلس ; لأن المجلس كله بمنزلة الحال الواحدة ، ولهذا ثبت فيه خيار المجلس ، واكتفي فيه بالقبض فيما يعتبر القبض فيه إذا ثبت هذا ، فإنه لا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم ولو جاءوا متفرقين واحدا بعد واحد في مجلس واحد ، قبلت شهادتهم .
وقال
مالك وأبو حنيفة : إن جاءوا متفرقين فهم قذفة ; لأنهم لم يجتمعوا في مجيئهم ، فلم تقبل شهادتهم ، كالذين لم يشهدوا في مجلس واحد ولنا قصة
المغيرة ، فإن الشهود جاءوا واحدا بعد واحد وسمعت شهادتهم ، وإنما حدوا لعدم كمالها .
وفي حديثه أن
أبا بكرة ، قال : أرأيت إن جاء آخر يشهد أكنت ترجمه ؟ قال
عمر : إي والذي نفسي بيده ، ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه ما لو جاءوا وكانوا مجتمعين ، ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه لما ذكرناه ، وإذا تفرقوا في مجالس فعليهم الحد ; لأن من
شهد بالزنى ، ولم يكمل الشهادة يلزمه الحد ; لقوله تعالى :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ 24 \ 4 ] ، انتهى من " المغني "
nindex.php?page=showalam&ids=13439لابن قدامة .
وقد عرفت أقوال أهل العلم في اشتراط اتحاد المجلس لشهادة شهود الزنى ، وما احتج به كل واحد من الفريقين .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين عندي دليلا هو قبول شهادتهم ، ولو جاءوا متفرقين في مجالس متعددة ; لأن الله - جل وعلا - صرح في كتابه بقبول شهادة الأربعة في الزنى ، فإبطالها مع كونهم أربعة بدعوى عدم اتحاد المجلس إبطال لشهادة العدول بغير دليل مقنع يجب الرجوع إليه ، وما وجه من اشتراط اتحاد المجلس قوله به لا يتجه كل الاتجاه ، فإن قال : الشهود معنا من يشهد مثل شهادتنا ، انتظره الإمام ، وقبل شهادته فإن لم يدعو زيادة شهود ولا علم
الحاكم بشاهد أقام عليهم الحد ، لعدم كمال
[ ص: 378 ] شهادتهم ، هذا هو الظاهر لنا من عموم الأدلة ، وإن كان مخالفا لمذهب
مالك ،
وأبي حنيفة ،
وأحمد ، والعلم عند الله تعالى .