صفحة جزء
تنبيه .

اعلم أن مالكا وأصحابه يشترط عندهم زيادة على أداء شهود الزنى شهادتهم في وقت واحد ، أن يكونوا شاهدين على فعل واحد ، فلو اجتمعوا ونظر واحد بعد واحد ، لم تصح شهادتهم على الأصح من مذهب مالك ; لاحتمال تعدد الوطء وأن يكون الزاني نزع فرجه من فرجها بعد رؤية الأول ، ورأى الثاني إيلاجا آخر غير الإيلاج الذي رآه من قبله ; لأن الأفعال لا يضم بعضها إلى بعض في الشهادة عندهم ، ومتى لم تقبل شهادتهم حدوا حد القذف ، ومشهور مذهب مالك أيضا : وجوب تفرقتهم ، أعني شهود الزنى خاصة ، دون غيرهم من سائر الشهود .

ومعناه عندهم : أنه لا بد من إتيانهم مجتمعين ، فإذا جاءوا مجتمعين فرق بينهم عند أداء الشهادة فيسأل كل واحد منهم دون حضرة الآخرين ، ويشهد كل واحد منهم ، أنه رآه أدخل فرجه في فرجها ، أو أولجه فيه ، ولا بد عندهم من زيادة كالمرود في المكحلة ونحوه ، ويجوز للشهود النظر إلى عورة الزانيين ، ليمكنهم أن يؤدوا الشهادة على وجهها ، ولا إثم عليهم في ذلك ، ولا يقدح في شهادتهم ; لأنه وسيلة إقامة حد من حدود الله ، ومحل هذا إن كانوا أربعة ، فإن كانوا أقل من أربعة لم يجز لهم النظر إلى عورة الزاني إذ لا فائدة في شهادتهم ; ولأنهم يجلدون حد القذف .

وقال بعض المالكية : لا يجوز لهم النظر إلى عورات الزناة ، ولو كانوا أربعة ، لما نبه عليه الشرع من استحسان الستر ، ويندب للحاكم عند المالكية سؤال الشهود في الزنى عما ليس شرطا في صحة الشهادة ، كأن يقول لكل واحد من الشهود بانفراده دون حضرة الآخرين : على أي حال رأيتهما وقت زناهما ، وهل كانت المرأة على جنبها الأيمن ، أو الأيسر ، أو على بطنها ، أو على قفاها ، وفي أي جوانب البيت ونحو ذلك ، فإن اختلفوا بأن قال أحدهم : كانت على قفاها ، وقال الآخر : كانت على جنبها الأيمن ونحو ذلك بطلت شهادتهم ; لدلالة اختلافهم على كذبهم ، وكذلك إن اختلفوا في جانب البيت الذي وقع فيه الزنى .

ولا شك أن مثل هذا السؤال أحوط في الدفع عن أعراض المسلمين ; لأنهم إن كانوا [ ص: 379 ] صادقين لم يختلفوا ، وإن كانوا كاذبين علم كذبهم باختلافهم ، وقد قدمنا ما يستأنس به لتفرقة شهود الزنى ، وسؤالهم متفرقين في قصة سليمان وداود في المرأة التي شهد عليها أربعة ، أنها زنت بكلبها فرجمها داود فجاء سليمان بالصبيان ، وجعل منهم شهودا ، وفرقهم وسألهم متفرقين عن لون الكلب الذي زنت به ، فأخبر كل واحد منهم بلون غير اللون الذي أخبر به الآخر ، فأرسل داود للشهود ، وفرقهم وسألهم متفرقين عن لون الكلب الذي زنت به ، فاختلفوا في لونه ; كما تقدم إيضاحه .

واعلم أن كل ما يثبت به الرجم يثبت به الجلد فطريق ثبوتهما متحدة لا فرق بينهما ، كما لا يخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية