قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، ظاهر هذه الآية الكريمة أن
كتابة الدين واجبة ; لأن الأمر من الله يدل على الوجوب ولكنه أشار إلى أنه أمر إرشاد لا إيجاب بقوله :
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة الآية ; لأن الرهن لا يجب إجماعا وهو بدل من الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبة لكان بدلها واجبا وصرح بعدم الوجوب بقوله :
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته الآية ، فالتحقيق أن الأمر في قوله :
فاكتبوه للندب والإرشاد ; لأن لرب الدين أن يهبه ويتركه إجماعا ، فالندب إلى الكتابة فيه إنما هو على جهة الحيطة للناس ، قاله
القرطبي .
وقال بعضهم : إن أشهدت فحزم ، وإن ائتمنت ففي حل وسعة
ابن عطية ، وهذا القول هو الصحيح قاله
القرطبي أيضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : كانوا يرون أن قوله :
فإن أمن ناسخ لأمره بالكتب ، وحكى نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقاله
ابن زيد ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري وذهب
الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ ثم خففه الله تعالى بقوله :
فإن أمن بعضكم بعضا ، وتمسك جماعة بظاهر الأمر في قوله : فاكتبوه ، فقالوا : إن كتب الدين واجب فرض بهذه الآية بيعا كان أو قرضا ; لئلا يقع فيه نسيان أو جحود وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في " تفسيره " .
[ ص: 185 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : من أدان فليكتب ومن باع فليشهد . اهـ من
القرطبي وسيأتي له زيادة بيان إن شاء الله قريبا .
تنبيه :
أخذ بعض العلماء من قوله تعالى :
وإن كنتم على سفر الآية . أن
الرهن لا يكون مشروعا إلا في السفر كما قاله
مجاهد ،
والضحاك ،
وداود والتحقيق جوازه في الحضر .
وقد ثبت في " الصحيحين " عن
عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007224توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير . وفي " الصحيحين " أنها درع من حديد .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=1007225أنه - صلى الله عليه وسلم - رهن درعا عند يهودي بالمدينة ، وأخذ منه شعيرا لأهله .
ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مثل حديث
عائشة فدل الحديث الصحيح على أن قوله :
وإن كنتم على سفر ، لا مفهوم مخالفة له ; لأنه جرى على الأمر الغالب ، إذ الغالب أن الكاتب لا يتعذر في الحضر وإنما يتعذر غالبا في السفر ، والجري على الغالب من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كما ذكرناه في هذا الكتاب مرارا والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
وأشهدوا إذا تبايعتم ، ظاهر هذا الأمر الوجوب أيضا فيجب على من باع أن يشهد وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
ومجاهد ،
وداود بن علي وابنه
أبو بكر ،
وعطاء ،
وإبراهيم قاله
القرطبي ، وانتصر له
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري غاية الانتصار ، وصرح بأن من لم يشهد مخالف لكتاب الله ، وجمهور العلماء على أن
الإشهاد على المبايعة وكتاب الدين أمر مندوب إليه لا واجب ، ويدل لذلك قوله تعالى :
فإن أمن بعضكم بعضا الآية .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي : إن هذا قول الكافة قال : وهو الصحيح ولم يحك عن أحد ممن قال بالوجوب إلا
الضحاك قال : وقد باع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب قال : ونسخة كتابه : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما اشترى
العداء بن خالد بن هوذة من
محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ، ولا غائلة ، ولا خبثة ، بيع المسلم للمسلم " . وقد باع ولم يشهد ، واشترى ورهن درعه عند يهودي ولم يشهد ، ولو كان الإشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرهن لخوف المنازعة . اهـ .
[ ص: 186 ] قال
القرطبي بعد أن ساق كلام
ابن العربي هذا ما نصه : قلت : قد ذكرنا الوجوب عن غير
الضحاك وحديث
العداء هذا أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
وأبو داود وكان إسلامه بعد الفتح وحنين ، وهو القائل : قاتلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فلم يظهرنا الله ولم ينصرنا . ثم أسلم فحسن إسلامه . ذكره
أبو عمر وذكر حديثه هذا .
وقال في آخره : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن الغائلة فقال : الإباق ، والسرقة ، والزنا ، وسألته عن الخبثة فقال : بيع أهل عهد المسلمين .
وقال الإمام
أبو محمد بن عطية : والوجوب في ذلك قلق أما في الوثائق فصعب شاق ، وأما ما كثر فربما يقصد التاجر الاستئلاف بترك الإشهاد ، وقد يكون عادة في بعض البلاد ، وقد يستحى من العالم والرجل الكبير الموقر فلا يشهد عليه فيدخل ذلك كله في الائتمان ، ويبقى الأمر بالإشهاد ندبا لما فيه من المصلحة في الأغلب ما لم يقع عذر يمنع منه كما ذكرنا ، وحكى
المهدوي ،
والنحاس ،
ومكي عن قوم أنهم قالوا :
وأشهدوا إذا تبايعتم ، منسوخ بقوله :
فإن أمن بعضكم بعضا ، وأسنده
النحاس عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري وأنه تلا :
ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، إلى قوله :
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ، قال : نسخت هذه الآية ما قبلها .
قال
النحاس : وهذا قول
الحسن والحكم وعبد الرحمن بن زيد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وهذا لا معنى له ; لأن هذا حكم غير الأول وإنما هذا حكم من لم يجد كاتبا .