[ ص: 441 ] المسألة العاشرة : اعلم أن
حد القذف لا يقام على القاذف إلا إذا طلب المقذوف إقامة الحد عليه ; لأنه حق له ، ولم يكن للقاذف بينة على ما ادعى من زنا المقذوف ; لأن الله يقول :
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ومفهوم الآية : أن القاذف لو جاء بأربعة شهداء على الوجه المقبول شرعا أنه لا حد عليه ، وإنما يثبت بذلك حد الزنا على المقذوف ، لشهادة البينة ، ويشترط لذلك أيضا عدم إقرار المقذوف ، فإن أقر بالزنا ، فلا حد على القاذف ، وإن كان القاذف زوجا اعتبر في حده حد القذف امتناعه من اللعان ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة : ولا نعلم خلافا في هذا كله ، ثم قال : وتعتبر استدامة الطلب إلى إقامة الحد ، فلو طلب ثم عفا عن الحد سقط ، وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . وقال
الحسن وأصحاب الرأي : لا يسقط بعفوه ; لأنه حد فلم يسقط بالعفو كسائر الحدود ، ولنا أنه حد لا يستوفى إلا بعد مطالبة الآدمي باستيفائه فسقط بعفوه كالقصاص ، وفارق سائر الحدود ، فإنه لا يعتبر في إقامتها الطلب باستيفائها ، وحد السرقة إنما تعتبر فيه المطالبة بالمسروق لا باستيفاء الحد ، ولأنهم قالوا تصح دعواه ، ويستحلف فيه ، ويحكم الحاكم فيه بعلمه ، ولا يقبل رجوعه عنه بعد الاعتراف ، فدل على أنه حق لآدمي ، اهـ من " المغني " ، وكونه حقا لآدمي هو أحد أقوال فيه .
قال
أبو عبد الله القرطبي : واختلف العلماء في
حد القذف ، هل هو من حقوق الله ، أو من حقوق الآدميين أو فيه شائبة منهما ؟
الأول : قول
أبي حنيفة .
والثاني : قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
والثالث : قاله بعض المتأخرين .
وفائدة الخلاف أنه إن كان حقا لله تعالى وبلغ الإمام أقامه ، وإن لم يطلب ذلك المقذوف ، ونفعت القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى ، ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنا ، وإن كان حقا للآدمي ، فلا يقيمه الإمام إلا بمطالبة المقذوف ، ويسقط بعفوه ولم تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف ، اهـ كلام
القرطبي .
ومذهب
مالك وأصحابه كأنه مبني على القول الثالث ، وهو أن
الحد يسقط بعفو [ ص: 442 ] المقذوف قبل بلوغ الإمام ، فإن بلغ الإمام ، فلا يسقطه عفوه إلا إذا ادعى أنه يريد بالعفو الستر على نفسه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الظاهر أن القذف حق للآدمي وكل حق لآدمي فيه حق لله .
وإيضاحه : أن حد القذف حق للآدمي من حيث كونه شرع للزجر عن فعله ، ولدفع معرة القذف عنه ، فإذا تجرأ عليه القاذف انتهك حرمة عرض المسلم ، وأن للمسلم عليه حقا بانتهاك حرمة عرضه ، وانتهك أيضا حرمة نهي الله عن فعله في عرض مسلم ، فكان لله حق على القاذف بانتهاكه حرمة نهيه ، وعدم امتثاله ، فهو عاص لله مستحق لعقوبته ، فحق الله يسقط بالتوبة النصوح ، وحق المسلم يسقط بإقامة الحد ، أو بالتحلل منه .
والذي يظهر على هذا التفصيل أن المقذوف إذا عفا وسقط الحد بعفوه أن للإمام
تعزير القاذف لحق الله ، والله - جل وعلا - أعلم .