[ ص: 449 ] المسألة السابعة عشرة : في
حكم ما لو قال لرجل : يا زانية بتاء الفرق ، أو قال لامرأة : يا زاني ، بلا تاء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : هو قذف صريح لكل منهما ، قال : واختار هذا
أبو بكر ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، واختار
ابن حامد أنه ليس بقذف إلا أن يفسره به ، وهو قول
أبي حنيفة ; لأنه يحتمل أن يريد بقوله : يا زانية ، أي : يا علامة في الزنا ; كما يقال للعالم : علامة ، ولكثير الرواية : راوية ، ولكثير الحفظ : حفظة ، ولنا أن ما كان قذفا لأحد الجنسين كان قذفا للآخر ; كقوله : زنيت بفتح التاء وكسرها لهما جميعا ، ولأن هذا اللفظ خطاب لهما وإشارة إليهما بلفظ الزنا ، وذلك يغني عن التمييز بتاء التأنيث وحذفها ، ولذلك لو قال للمرأة : يا شخصا زانيا ، وللرجل : يا نسمة زانية ، كان قاذفا ، وقولهم : إنه يريد بذلك أنه علامة في الزنا لا يصح فإنما كان اسما للفعل ، إذا دخلته الهاء كانت للمبالغة ; كقولهم : حفظة للمبالغ في الحفظ ، وراوية للمبالغ في الرواية ، وكذلك همزة لمزة وصرعة ; ولأن كثيرا من الناس يذكر المؤنث ويؤنث المذكر ، ولا يخرج بذلك عن كون المخاطب به مرادا بما يراد باللفظ الصحيح ، انتهى كلام صاحب " المغني " .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين عندي فيمن قال لذكر : يا زانية بصيغة التأنيث ، أو قال لامرأة : يا زاني بصيغة التذكير ، أنه يلزمه الحد .
وإيضاحه أن القاذف بالعبارتين المذكورتين لا يخلو من أحد أمرين ، إما أن يكون عاميا لا يعرف العربية ، أو يكون له علم باللغة العربية ، فإن كان عاميا فقد يكون غير عالم بالفرق بين العبارتين ، ونداؤه للشخص بلفظ الزنى ظاهر في قصده قذفه .
وإن كان عالما باللغة ، فالله يكثر فيها إطلاق وصف الذكر على الأنثى باعتبار كونها شخصا .
وقد قدمنا بعض أمثلة ذلك في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله :
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، ومما ذكرنا من الشواهد هناك قول
حسان - رضي الله عنه - :
منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغار النجوم من حبيب أصاب قلبك منه
سقم فهو داخل مكتوم
ومراده بالحبيب أنثى ، بدليل قوله بعده :
لم تفتها شمس النهار بشيء غير أن الشباب ليس يدوم
[ ص: 450 ] وقول
كثير :
لئن كان يرد الماء هيمان صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب
ومن أمثلة ذلك قول
مليح بن الحكم الهذلي :
ولكن ليلى أهلكتني بقولها نعم ثم ليلى الماطل المتبلح
يعني
ليلى الشخص الماطل المتبلح .
وقول
عروة بن حزام العذري :
وعفراء أرجى الناس عندي مودة وعفراء عني المعرض المتواني
أي : الشخص المعرض .
وإذا كثر في كلام العرب تذكير وصف الأنثى باعتبار الشخص كما رأيت أمثلته ، فكذلك لا مانع من تأنيثهم صفة الذكر باعتبار النسمة أو النفس ، وورود ذلك لتأنيث اللفظ مع تذكير المعنى معروف ; كقوله :
أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال