فائدة
في هذه الآية الكريمة دليل على أن
كبائر الذنوب لا تحبط العمل الصالح ; لأن هجرة
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح بن أثاثة من عمله الصالح ، وقذفه
لعائشة من الكبائر ولم يبطل هجرته ; لأن الله قال فيه بعد قذفه لها
والمهاجرين في سبيل الله فدل ذلك على أن هجرته في سبيل الله ، لم يحبطها قذفه
لعائشة - رضي الله عنها - .
قال
القرطبي : في هذه الآية دليل على أن
القذف وإن كان كبيرا لا يحبط الأعمال ; لأن الله تعالى وصف
مسطحا بعد قوله بالهجرة والإيمان ، وكذلك سائر الكبائر ، ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله ، قال تعالى :
لئن أشركت ليحبطن عملك [ 39 \ 65 ] اهـ .
وما ذكر من أن في الآية وصف
مسطح بالإيمان لم يظهر من الآية ، وإن كان معلوما .
وقال
القرطبي أيضا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله ، ثم قال بعد هذا : قال بعض العلماء ، هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ . وقيل : أرجى آية في كتاب الله - عز وجل - قوله تعالى :
وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا [ 33 \ 47 ] وقد قال تعالى في آية أخرى
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير [ ص: 489 ] [ 42 \ 22 ] فشرح الفضل الكبير في هذه الآية ، وبشر به المؤمنين في تلك .
ومن آيات الرجاء قوله تعالى :
قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية [ 39 \ 53 ] ، وقوله تعالى :
الله لطيف بعباده [ 42 \ 19 ] . وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله - عز وجل -
ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 5 ] وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار ، انتهى كلام
القرطبي .
وقال بعض أهل العلم :
أرجى آية في كتاب الله - عز وجل - آية الدين : وهي أطول آية في القرآن العظيم ، وقد أوضح الله تبارك وتعالى فيها الطرق الكفيلة بصيانة الدين من الضياع ، ولو كان الدين حقيرا كما يدل عليه قوله تعالى فيها :
ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله الآية [ 2 \ 282 ] ، قالوا : هذا من المحافظة في آية الدين على صيانة مال المسلم ، وعدم ضياعه ، ولو قليلا يدل على العناية التامة بمصالح المسلم ، وذلك يدل على أن اللطيف الخبير لا يضيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول ، وشدة حاجته إلى ربه .
قال مقيده عفا الله وغفر له : من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [ 35 \ 32 - 35 ] .
فقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب دليل على أن الله اصطفاها في قوله :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وبين أنهم ثلاثة أقسام :
الأول : الظالم لنفسه وهو الذي يطيع الله ، ولكنه يعصيه أيضا فهو الذي قال الله فيه
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم [ 9 \ 102 ] .
[ ص: 490 ] والثاني : المقتصد وهو الذي يطيع الله ، ولا يعصيه ، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات .
والثالث : السابق بالخيرات : وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة ، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه ، والمقتصد والسابق ، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم ، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله :
جنات عدن يدخلونها إلى قوله :
ولا يمسنا فيها لغوب والواو في يدخلونها شاملة للظالم ، والمقتصد والسابق على التحقيق ، ولذا قال بعض أهل العلم : حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين ، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة ، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن ، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة ، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ؛ ولذا قال بعدها متصلا بها
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور إلى قوله :
فما للظالمين من نصير [ 35 \ 36 - 37 ] .
واختلف أهل العلم في سبب
تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق ، فقال بعضهم : قدم الظالم لئلا يقنط ، وأخر السابق بالخير لئلا يعجب بعمله فيحبط ، وقال بعضهم : قدم الظالم لنفسه ; لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم ، لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم ; كما قال تعالى :
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم [ 38 \ 24 ] .