قوله تعالى :
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها اعلم أولا أن كلام العلماء في هذه الآية يرجع جميعه إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أن الزينة هنا نفس شيء من بدن المرأة ; كوجهها وكفيها .
الثاني : أن الزينة هي ما يتزين به خارجا عن بدنها .
وعلى هذا القول ففي الزينة المذكورة الخارجة عن بدن المرأة قولان :
أحدهما : أنها الزينة التي لا يتضمن إبداؤها رؤية شيء من البدن ; كالملاءة التي تلبسها المرأة فوق القميص والخمار والإزار .
والثاني : أنها الزينة التي يتضمن إبداؤها رؤية شيء من البدن كالكحل في العين .
فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه ، وكالخضاب والخاتم ، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد ، وكالقرط والقلادة والسوار ، فإن رؤية ذلك تستلزم رؤية محله من البدن ; كما لا يخفى .
وسنذكر بعض كلام أهل العلم في ذلك ، ثم نبين ما يفهم من آيات القرآن رجحانه .
قال
ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ، وقوله تعالى :
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب ، إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود كالرداء والثياب ، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، وما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه ، وقال بقول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود :
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
وأبو الجوزاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وغيرهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : وجهها وكفيها والخاتم ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
وعطاء ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وأبي الشعثاء ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك . وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا
للزينة التي نهين عن إبدائها ; كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي ، عن
أبي الأحوص ، عن
عبد الله قال في قوله :
ولا يبدين زينتهن الزينة : القرط ، والدملوج ، والخلخال ، والقلادة ، وفي رواية عنه بهذا الإسناد ، قال : الزينة زينتان ، فزينة لا يراها إلا الزوج الخاتم والسوار ، وزينة يراها
[ ص: 512 ] الأجانب ، وهي الظاهر من الثياب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : لا يبدو لهؤلاء الذين سمى الله ممن لا تحل له إلا الأسورة والأخمرة والأقرطة من غير حسر ، وأما عامة الناس ، فلا يبدو منها إلا الخواتم . وقال مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري إلا ما ظهر منها : الخاتم والخلخال ، ويحتمل أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها : بالوجه والكفين ، وهذا هو المشهور عند الجمهور ، ويستأنس له بالحديث الذي رواه
أبو داود في " سننه " :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17387يعقوب بن كعب الأنطاكي ،
ومؤمل بن الفضل الحراني ، قالا : حدثنا
الوليد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15991سعيد بن بشير ، عن
قتادة ، عن
خالد بن دريك ، عن
عائشة - رضي الله عنها - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009263أن nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها ، وقال " : يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " ، وأشار إلى وجهه وكفيه ، لكن قال
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم الرازي : هو مرسل ،
خالد بن دريك لم يسمع من
عائشة - رضي الله عنها - والله أعلم ، اهـ كلام
ابن كثير .
وقال
القرطبي في تفسيره لقوله تعالى :
إلا ما ظهر منها : واختلف الناس في قدر ذلك ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ظاهر الزينة هو الثياب ، وزاد
ابن جبير : الوجه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أيضا ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : الوجه والكفان والثياب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=83والمسور بن مخرمة : ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا ، فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آخر عن
عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " :
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا " ، وقبض على نصف الذراع .
قال
ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه ، أو إصلاح شأن ونحو ذلك ، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء ، فهو المعفو عنه .
قلت : وهذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة ، وعبادة وذلك في الصلاة والحج ، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل لذلك ما رواه
أبو داود عن
عائشة - رضي الله عنها - ثم ذكر
القرطبي حديث
عائشة المذكور الذي
[ ص: 513 ] قدمناه قريبا ، ثم قال : وقد قال
ابن خويز منداد من علمائنا : إن
المرأة إذا كانت جميلة ، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة ، فعليها ستر ذلك ، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها ، اهـ محل الغرض من كلام
القرطبي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب ، فلا بأس به ، وما خفي منها كالسوار ، والخلخال ، والدملج ، والقلادة ، والإكليل ، والوشاح ، والقرط ، فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين ، وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر ; لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء ، وهي الذراع ، والساق ، والعضد ، والعنق ، والرأس ، والصدر ، والأذن ، فنهى عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع ، بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله ، كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ، ثابت القدم في الحرمة ، شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها ، إلى آخر كلامه .
وقال صاحب " الدر المنثور " : وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=14906والفريابي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
والحاكم وصححه ،
وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى :
ولا يبدين زينتهن قال : الزينة السوار والدملج والخلخال ، والقرط ، والقلادة
إلا ما ظهر منها قال : الثياب والجلباب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الزينة زينتان ، ، زينة ظاهرة ، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج . فأما الزينة الظاهرة : فالثياب ، وأما الزينة الباطنة : فالكحل ، والسوار والخاتم ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : فالظاهرة منها الثياب ، وما يخفى : فالخلخالان والقرطان والسواران .
وأخرج
ابن المنذر عن
أنس في قوله :
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : الكحل والخاتم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : الكحل والخاتم والقرط والقلادة .
[ ص: 514 ] وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : هو خضاب الكف ، والخاتم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : وجهها ، وكفاها والخاتم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : رقعة الوجه ، وباطن الكف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وابن المنذر ،
والبيهقي في سننه ، عن
عائشة - رضي الله عنها - : أنها سئلت عن الزينة الظاهرة ؟ فقالت : القلب والفتخ ، وضمت طرف كمها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
عكرمة في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : الوجه وثغرة النحر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : الوجه والكف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
عطاء في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : الكفان والوجه .
وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
قتادة ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : المسكتان والخاتم والكحل .
قال
قتادة : وبلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " :
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا إلى هاهنا " ويقبض نصف الذراع . وأخرج
عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور بن مخرمة في قوله :
إلا ما ظهر منها قال : القلبين ، يعني السوار والخاتم والكحل .
وأخرج
سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى :
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : الخاتم والمسكة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وقالت
عائشة - رضي الله عنها - : القلب والفتخة ،
قالت عائشة : دخلت علي ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مزينة ، فدخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعرض ، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : إنها ابنة أخي وجارية ، فقال " : إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون [ ص: 515 ] هذا " ، وقبض على ذراعه نفسه ، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ، اهـ محل الغرض من كلام صاحب " الدر المنثور " .
وقد رأيت في هذه النقول المذكورة عن السلف أقوال أهل العلم في الزينة الظاهرة والزينة الباطنة ، وأن جميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال ; كما ذكرنا :
الأول : أن
المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها ، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها ; كقول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ومن وافقه : إنها ظاهر الثياب ; لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها وهي ظاهرة بحكم الاضطرار ، كما ترى .
وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها ، وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة .
القول الثاني : أن المراد بالزينة : ما تتزين به ، وليس من أصل خلقتها أيضا ، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة ، وذلك كالخضاب والكحل ، ونحو ذلك ; لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن ، كما لا يخفى .
القول الثالث : أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها ; كقول من قال : إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان ، وما تقدم ذكره عن بعض أهل العلم .
وإذا عرفت هذا ، فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول ، وقدمنا أيضا في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ ، مع تكرر ذلك اللفظ في القرآن ، فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب ، يدل على أنه هو المراد في محل النزاع ; لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ ، وذكرنا له بعض الأمثلة في الترجمة .
وإذا عرفت ذلك ، فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان للذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية ، التي نحن بصددها .
أما الأول منهما ، فبيانه أن قول من قال في معنى :
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أن المراد بالزينة : الوجه والكفان مثلا ، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة
[ ص: 516 ] هذا القول ، وهي أن
الزينة في لغة العرب ، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها : كالحلي ، والحلل . فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر ، ولا يجوز الحمل عليه ، إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، وبه تعلم أن قول من قال : الزينة الظاهرة : الوجه ، والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية ، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول ، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه .
وأما نوع البيان الثاني المذكور ، فإيضاحه : أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مرادا به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها ، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها ; كقوله تعالى :
يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد [ 7 \ 31 ] ، وقوله تعالى :
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده [ 7 \ 32 ] ، وقوله تعالى :
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها [ 18 \ 7 ] ، وقوله تعالى :
وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها [ 28 \ 60 ] ، وقوله تعالى :
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب [ 37 \ 6 ] ، وقوله تعالى :
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة الآية [ 16 \ 8 ] ، وقوله تعالى :
فخرج على قومه في زينته الآية [ 28 \ 79 ] ، وقوله تعالى :
المال والبنون زينة الحياة الدنيا الآية [ 18 \ 46 ] ، وقوله تعالى :
أنما الحياة الدنيا لعب ولهو الآية [ 57 \ 20 ] ، وقوله تعالى :
قال موعدكم يوم الزينة [ 20 \ 59 ] ، وقوله تعالى عن قوم موسى :
ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم [ 20 \ 87 ] ، وقوله تعالى :
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن [ 24 \ 31 ] ، فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته ، كما ترى ، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن ، يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى ، الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم ، وهو المعروف في كلام العرب ; كقول الشاعر :
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى وإذا عطلن فهن خير عواطل
وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين ، فيه نظر .
وإذا علمت أن
المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة ، وأن من فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين ، فقال بعضهم : هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب . وقال بعضهم : هي زينة يستلزم النظر
[ ص: 517 ] إليها رؤية موضعها من بدن المرأة ; كالكحل والخضاب ، ونحو ذلك .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أظهر القولين المذكورين عندي قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن الزينة الظاهرة هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية ، وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر ; لأنه هو أحوط الأقوال ، وأبعدها عن أسباب الفتنة ، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء ، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها ; كما هو معلوم والجاري على قواعد الشرع الكريم ، هو تمام المحافظة ، والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي .
واعلم أن مسألة الحجاب وإيضاح كون
الرجل لا يجوز له النظر إلى شيء من بدن الأجنبية ، سواء كان الوجه والكفين أو غيرهما قد وعدنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك وغيرها من المواضع ، بأننا سنوضح ذلك في سورة " الأحزاب " ، في الكلام على آية الحجاب ، وسنفي إن شاء الله تعالى بالوعد في ذلك بما يظهر به للمنصف ما ذكرنا .
واعلم أن الحديث الذي ذكرنا في كلام
ابن كثير عند
أبي داود ، وهو حديث
عائشة في دخول
أسماء على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثياب رقاق ، وأنه قال لها " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009267إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " ، وأشار إلى وجهه وكفيه ، حديث ضعيف عند أهل العلم بالحديث ; كما قدمنا عن
ابن كثير أنه قال فيه : قال
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم الرازي : هو مرسل ،
وخالد بن دريك لم يسمع من
عائشة .
والأمر كما قال ، وعلى كل حال فسنبين هذه المسألة إن شاء الله بيانا شافيا مع مناقشة أدلة الجميع في سورة " الأحزاب " ، ولذلك لم نطل الكلام فيها هاهنا .