المسألة الثالثة : إذا علمت أن التحقيق أن مفهوم قوله : رجال ، مفهوم صفة باعتبار ما يستلزمه من صفات الذكورة المناسبة للفرق بين الذكور والإناث ، في حكم الخروج إلى المساجد لا مفهوم لقب ، وأن
مفهوم الصفة معتبر عند الجمهور خلافا
لأبي حنيفة .
فاعلم أن مفهوم قوله هنا : رجال فيه إجمال ; لأن غاية ما يفهم منه أن النساء لسن كالرجال في الخروج للمساجد ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن البيان القرآني إذا كان غير واف بالمقصود من تمام البيان ، فإنا نتمم البيان من السنة من حيث إنها تفسير للمبين باسم الفاعل ، وتقدمت أمثلة لذلك .
وإذا علمت ذلك فاعلم أن السنة النبوية بينت مفهوم المخالفة في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : رجال ، فبينت أن المفهوم المذكور معتبر ، وأن
النساء لسن كالرجال في حكم الخروج إلى المساجد ، وأوضحت أن صلاتهن في بيوتهن أفضل لهن من الخروج إلى المساجد والصلاة فيها في الجماعة ، بخلاف الرجال ، وبينت أيضا أنهن يجوز لهن الخروج إلى المساجد بشروط سيأتي إيضاحها إن شاء الله تعالى ، وأنهن إذا
استأذن أزواجهن في الخروج إلى المساجد فهم مأمورون شرعا بالإذن لهن في ذلك مع التزام الشروط المذكورة .
أما أمر أزواجهن بالإذن لهن في الخروج إلى المساجد إذا طلبن ذلك فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه في كتاب النكاح : حدثنا
علي بن عبد الله ، حدثنا
سفيان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
سالم ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009270إذا استأذنت [ ص: 541 ] امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في صحيحه في كتاب الصلاة : باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد : حدثنا
مسدد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009271إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه أيضا ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
حنظلة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009272إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن " تابعه
شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16696عمرو الناقد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب جميعا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، قال
زهير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري سمع
سالما يحدث عن أبيه يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009273إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها " وفي لفظ عند
مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009274لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها " وفي لفظ عند
مسلم أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009275لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وفي لفظ له عنه أيضا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009276إذا استأذنكم نساؤكم إلى المسجد فأذنوا لهن " وفي لفظ عنه أيضا ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009277لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل " وفي رواية له عنه أيضا ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009278ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد " وفي لفظ له عنه أيضا ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009279لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم " وفي رواية "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009280إذا استأذنوكم " ، قال
النووي في شرح
مسلم : وهو صحيح وعوملن معاملة الذكور لطلبهن الخروج إلى مجلس الذكور ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا الذي ذكرناه عن الشيخين بروايات متعددة ، أخرجه أيضا غيرهما وهو صريح في أن أزواج النساء مأمورون على لسانه - صلى الله عليه وسلم - بالإذن لهن في الخروج إلى المساجد ، إذا طلبن ذلك ، ومنهيون عن منعهن من الخروج إليها .
وذكر بعض أهل العلم أن أمر الأزواج بالإذن لهن في الروايات المذكورة ليس للإيجاب ، وإنما هو للندب ، وكذلك نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن منعهن ، قالوا : هو لكراهة التنزيه لا للتحريم .
قال
ابن حجر في فتح الباري : وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب ;
[ ص: 542 ] لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان ; لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد .
وقال
النووي في شرح المذهب : فإن منعها لم يحرم عليه ، هذا مذهبنا ، قال
البيهقي : وبه قال عامة العلماء ، ويجاب عن حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009275لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " بأنه نهي تنزيه ; لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب ، فلا تتركه لفضيلة اهـ .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي في هذه المسألة : أن
الزوج إذا استأذنته امرأته في الخروج إلى المسجد ، وكانت غير متطيبة ، ولا متلبسة بشيء يستوجب الفتنة مما سيأتي إيضاحه إن شاء الله ، أنه يجب عليه الإذن لها ، ويحرم عليه منعها للنهي الصريح منه - صلى الله عليه وسلم - عن منعها من ذلك ، وللأمر الصريح بالإذن لها وصيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب ، كما أوضحناه في مواضع من هذا الكتاب المبارك ، وصيغة النهي كذلك تقتضي التحريم ، وقد قال تعالى :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ 24 \ 63 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007851إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " إلى غير ذلك من الأدلة ، كما قدمنا . وقول
ابن حجر : إن الإذن لا يتحقق إلا إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة ، والرد غير مسلم ، إذ لا مانع عقلا ، ولا شرعا ولا عادة من أن يوجب الله عليه الإذن لامرأته في الخروج إلى المسجد من غير تخيير ، فإيجاب الإذن لا مانع منه ، وكذلك تحريم المنع . وقد دل النص الصحيح على إيجابه فلا وجه لرده بأمر محتمل كما ترى . وقول
النووي : لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب ، فلا تتركه للفضيلة لا يصلح ; لأن يرد به النص الصريح منه - صلى الله عليه وسلم - فأمره - صلى الله عليه وسلم - الزوج بالإذن لها يلزمه ذلك ، ويوجبه عليه ، فلا يعارض بما ذكره
النووي كما ترى . وما ذكره
النووي عن
البيهقي : من أن عدم الوجوب قال به عامة العلماء غير
مسلم أيضا ، فقد ثبت في صحيح
مسلم وغيره عن
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه لما حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديث الذي ذكرنا عنه في أمر الأزواج بالإذن للنساء في الخروج إلى المساجد ، وقال ابنه : لا ندعهن يخرجن ، غضب وشتمه ودفع في صدره منكرا عليه مخالفته لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك دليل واضح على اعتقاده وجوب امتثال ذلك الأمر بالإذن لهن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15708حرملة بن يحيى ، أخبرنا
ابن وهب ، أخبرني
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله أن
عبد الله بن [ ص: 543 ] عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009274لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها " فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : والله لنمنعهن ، وفي لفظ عند
مسلم : فزبره
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقال : أقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : لا ندعهن ، وفي لفظ
لمسلم أيضا : فضرب في صدره .
واعلم أن
ابن عبد الله بن عمر الذي زعم أنه لم يمتثل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإذن للنساء إلى المساجد جاء في صحيح
مسلم أنه
بلال بن عبد الله بن عمر .
وفي رواية عند
مسلم : أنه
واقد بن عبد الله بن عمر ، والحق تعدد ذلك فقد قاله كل من
بلال ،
وواقد ابني عبد الله بن عمر ، وقد أنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على كل منهما ، كما جاءت به الروايات الصحيحة عند
مسلم وغيره ، فكون
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - أقبل على ابنه
بلال وسبه سبا سيئا وقال منكرا عليه ، أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول : لنمنعهن فيه دليل واضح أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يرى لزوم الإذن لهن ، وأن منعهن لا يجوز ، ولو كان يراه جائزا ما شدد النكير على ابنيه كما لا يخفى .
وقال
النووي في شرح
مسلم : قوله : فأقبل عليه
عبد الله فسبه سبا سيئا ، وفي رواية فزبره ، وفي رواية : فضرب في صدره ، فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : وكلام
النووي هذا الذي رأيت اعتراف منه بأن مذهبه وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ومن قال بقوله ، كما نقل عن
البيهقي أنه قول عامة العلماء ، أن جميع القائلين بذلك مستحقون للتعزير ، معترضون على السنة ، معارضون لها برأيهم ، والعجب منه كيف يقر بأن
بلال بن عبد الله بن عمر مستحق للتعزير لاعتراضه على السنة ، ومعارضته لها برأيه ، مع أن مذهبه الذي ينصره وينقل أنه قول عامة العلماء عن
البيهقي هو بعينه قول
بلال بن عبد الله بن عمر الذي صرح هو بأنه يستحق به التعزير ، وأنه اعتراض على السنة ومعارضة لها بالرأي ، وقال
النووي : قوله : فزبره ، أي : نهره ، وقال
ابن حجر في فتح الباري : ففي رواية بلال عند
مسلم ، فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا شديدا ما سمعته سبه مثله قط ، وفسر
عبد الله بن هبيرة في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات وفي رواية زائدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : فانتهره وقال : أف لك ، وله عن
ابن [ ص: 544 ] الأعمش : فعل الله بك وفعل ، ومثله
nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ،
ولمسلم من رواية
أبي معاوية : فزبره ،
ولأبي داود من رواية
جرير : فسبه وغضب عليه ، إلى أن قال : وأخذ من إنكار عبد الله على ولده
تأديب المعترض على السنن برأيه ، وهو اعتراف منه أيضا بأن من خالف الحديث المذكور معترض على السنن برأيه .
وبه تعلم أن ما قدمنا عنه من كون الأمر بالإذن لهن إلى المساجد ليس للوجوب اعتراض على السنن بالرأي كما ترى .
وبما ذكرنا تعلم أن الدليل قد دل من السنة الصحيحة على وجوب الإذن للنساء في الخروج إلى المساجد كما ذكرنا ، ويؤيده أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لم ينكر عليه أحد من الصحابة تشنيعه على ولديه كما أوضحناه آنفا ، والعلم عند الله تعالى .
وإذا علمت أن ما ذكرنا من النصوص الصريحة في الأمر بالإذن لهن يقتضي جواز خروجهن إلى المساجد ، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أنهن كن يخرجن إلى المسجد ، فيصلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير قال : أخبرنا
الليث ، عن
عقيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير أن
عائشة - رضي الله عنها - أخبرته قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009281كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس اهـ ، وهذا الحديث أخرجه أيضا
مسلم وغيره ، وقد جاءت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما دالة على ما دل عليه حديث
عائشة هذا المتفق عليه من كون النساء كن يشهدن الصلاة في المسجد معه - صلى الله عليه وسلم -
تنبيه .
قد علمنا مما ذكرنا في روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتفق عليه : أن في بعض رواياته المتفق عليها تقييد أمر الرجال بالإذن للنساء في الخروج إلى المسجد بالليل ، وفي بعضها الإطلاق وعدم التقييد بالليل ، وهو أكثر الروايات كما أشار له
ابن حجر في الفتح .
وقد يتبادر للناظر أن الأزواج ليسوا مأمورين بالإذن للنساء إلا في خصوص الليل ; لأنه أستر ، ويترجح عنده هذا بما هو مقرر في الأصول من حمل المطلق على المقيد ، فتحمل روايات الإطلاق على التقييد بالليل ، فيختص الإذن المذكور بالليل .
[ ص: 545 ] قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الأظهر عندي تقديم روايات الإطلاق وعدم التقييد بالليل لكثرة الأحاديث الصحيحة الدالة على حضور النساء الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم - في غير الليل ، كحديث
عائشة المتفق عليه المذكور آنفا الدال على حضورهن معه - صلى الله عليه وسلم - الصبح ، وهي صلاة نهار لا ليل ، ولا يكون لها حكم صلاة الليل ، بسبب كونهن يرجعن لبيوتهن ، لا يعرفن من الغلس ; لأن ذلك الوقت من النهار قطعا ، لا من الليل ، وكونه من النهار مانع من التقييد بالليل ، والعلم عند الله تعالى ، وأما ما يشترط في جواز خروج النساء إلى المساجد فهو :