المسألة الرابعة :
اعلم أن
خروج المرأة إلى المسجد يشترط فيه عند أهل العلم شروط يرجع جميعها إلى شيء واحد ، وهو كون المرأة وقت خروجها للمسجد ليست متلبسة بما يدعو إلى الفتنة مع الأمن من الفساد .
قال
النووي في شرح
مسلم في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009275لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ما نصه : هذا وما أشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد ، ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث ، وهي ألا تكون متطيبة ، ولا متزينة ، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ، ولا ثياب فاخرة ، ولا مختلطة بالرجال ، ولا شابة ونحوها ، ممن يفتن بها ، وألا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها ، انتهى محل الغرض من كلام
النووي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذه الشروط التي ذكرها
النووي وغيره منها ما هو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها ما لا نص فيه ، ولكنه ملحق بالنصوص لمشاركته له في علته ، وإلحاق بعضها لا يخلو من مناقشة ; كما سترى إيضاح ذلك كله إن شاء تعالى ، أما ما هو ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من تلك الشروط ، فهو عدم التطيب ، فشرط جواز خروج المرأة إلى المسجد ألا تكون متطيبة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا
مروان بن سعيد الأيلي ، حدثنا
ابن وهب ، أخبرني
مخرمة ، عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد أن
زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009282إذا شهدت إحداكن العشاء ، فلا تطيب تلك الليلة " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان [ ص: 546 ] حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد ، عن
زينب امرأة عبد الله قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009283قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " .
حدثنا
يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم ، قال
يحيى : أخبرنا
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17367يزيد بن خصيفة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009284أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة " اهـ .
فهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه
مسلم في صحيحه عن صحابيين ، وهما :
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ،
وزينب امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عن الجميع - صريح في أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ، ويؤيد ذلك ما رواه
أبو داود في سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل ، ثنا
حماد عن
محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009285لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات " اهـ ، وقوله : وهن تفلات ، أي : غير متطيبات ، وقال
النووي في شرح المهذب ، في هذا الحديث رواه
أبو داود بإسناد صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، وتفلات بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء ، أي : تاركات الطيب اهـ ، ومنه قول
امرئ القيس :
إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها
تميل عليه هونة غير متفالي
وهذا الحديث أخرجه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان من حديث
زيد بن خالد ، قاله
الشوكاني وغيره .
وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلت على أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ; لأنها تحرك شهوة الرجال بريح طيبها .
فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة ، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة ، والاختلاط بالرجال ، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال ، ووجهه ظاهر كما ترى . وألحق الشافعية بذلك الشابة مطلقا ; لأن الشاب مظنة الفتنة ، وخصصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز ، والأظهر أن الشابة إذا خرجت مستترة غير متطيبة ، ولا متلبسة بشيء آخر من أسباب الفتنة أن لها الخروج إلى المسجد لعموم النصوص المتقدمة ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 547 ] المسألة الخامسة : اعلم أن
صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد ، ولو كان المسجد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه تعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008763صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " خاص بالرجال ، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد .
قال
أبو داود في سننه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14835العوام بن حوشب ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009286لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " وقال
النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر صحيح رواه
أبو داود بلفظه هذا ، بإسناد صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري اهـ .
وهذا الحديث أخرجه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقال
ابن حجر في فتح الباري : وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث وغيره ، ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، وذلك في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بلفظ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009286لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " أخرجه
أبو داود ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ،
ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من حديث
أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009287يا رسول الله إني أحب الصلاة معك ، فقال " : قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة " وإسناد
أحمد حسن وله شاهد من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عند
أبي داود ، ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ، انتهى محل الغرض من كلام
ابن حجر .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي أشار له هو ما رواه
أبو داود في سننه : حدثنا
ابن المثنى ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16710عمرو بن عاصم حدثهم قال : ثنا
همام عن
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17167مورق عن
أبي الأحوص ، عن
عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009288صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " ، اهـ .
وقال
النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : رواه
أبو داود بإسناد صحيح على شرط
مسلم ، وقد روى
أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة عنه - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009289خير مساجد النساء قعر بيوتهن " .
[ ص: 548 ] وبما ذكرنا من النصوص تعلم أن
صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في الجماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من المساجد لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومما يؤكد صلاتهن في بيوتهن ما أحدثنه من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنة الفتنة ، ومزاحمتهن للرجال في أبواب المسجد عند الدخول والخروج ، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت : لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى من النساء ما رأينا ، لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها .
وقد علمت مما ذكرنا من الأحاديث أن مفهوم المخالفة في قوله تعالى :
يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال الآية ، معتبر وأنه ليس مفهوم لقب ، وقد أوضحنا المفهوم المذكور بالسنة كما رأيت ، والعلم عند الله تعالى .