قوله تعالى وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين كفروا وكذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا في هذا القرآن العظيم ، الذي أوحاه الله إليه :
إن هذا إلا إفك افتراه ، أي : ما هذا القرآن إلا كذب اختلقه
محمد - صلى الله عليه وسلم - وأعانه عليه على الإفك الذي افتراه قوم آخرون ، قيل :
اليهود ، وقيل :
عداس مولى حويطب بن عبد العزى ،
ويسار مولى العلاء بن الحضرمي ،
وأبو فكيهة الرومي ، قال ذلك
النضر بن الحر العبدري .
[ ص: 14 ] وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار كذبوه وادعوا عليه أن القرآن كذب اختلقه ، وأنه أعانه على ذلك قوم آخرون جاء مبينا في آيات أخر ; كقوله تعالى :
وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب [ 38 \ 4 ] وقوله تعالى :
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون [ 16 \ 101 ] وقوله تعالى :
بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ، وقوله تعالى :
وكذب به قومك وهو الحق الآية [ 6 \ 66 ] والآيات في ذلك كثيرة معلومة .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنهم افتروا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أعانه على افتراء القرآن قوم آخرون جاء أيضا موضحا في آيات أخر ; كقوله تعالى :
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر [ 16 \ 103 ] وقوله تعالى :
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر [ 74 \ 24 ] أي : يرويه
محمد - صلى الله عليه وسلم - عن غيره
إن هذا إلا قول البشر [ 74 \ 25 ] وقوله تعالى :
وليقولوا درست [ 6 \ 105 ] كما تقدم إيضاحه في " الأنعام " ، وقد كذبهم الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة فيما افتروا عليه من البهتان بقوله :
فقد جاءوا ظلما وزورا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من الأعجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب ، والزور هو أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه ، انتهى . وتكذيبه جل وعلا لهم في هذه الآية الكريمة ، جاء موضحا في مواضع أخر من كتاب الله ; كقوله تعالى :
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ 16 \ 103 ] كما تقدم إيضاحه في سورة " النحل " ، وقوله :
وكذب به قومك وهو الحق [ 6 \ 66 ] وقوله تعالى :
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر الآية [ 74 \ 24 - 27 ] لأن قوله :
سأصليه سقر بعد ذكر افترائه على القرآن العظيم يدل على عظم افترائه وأنه سيصلى بسببه عذاب سقر ، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها ، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل .
واعلم : أن العرب تستعمل جاء وأتى بمعنى : فعل ، فقوله :
فقد جاءوا ظلما ، أي : فعلوه ، وقيل : بتقدير الباء ، أي : جاءوا بظلم ، ومن إتيان أتى بمعنى فعل قوله تعالى :
لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ، أي : بما فعلوه . وقول
زهير بن أبي سلمى :
[ ص: 15 ] فما يك من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل
واعلم بأن الإفك هو أسوأ الكذب ، لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل ، والعرب تقول : أفكه بمعنى قلبه ، ومنه قوله تعالى في
قوم لوط :
والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات ، وقوله :
والمؤتفكة أهوى [ 53 \ 53 ] وإنما قيل لها مؤتفكات ; لأن الملك أفكها ، أي : قلبها ; كما أوضحه تعالى بقوله :
جعلنا عاليها سافلها [ 11 \ 82 ] .