قوله تعالى : وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الظالمين وهم الكفار قالوا للذين اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - :
إن تتبعون إلا رجلا مسحورا يعنون أنه أثر فيه السحر فاختلط عقله فالتبس عليه أمره ، وقال
مجاهد : مسحورا : أي مخدوعا كقوله : فأنى تسحرون : أي من أين تخدعون ، وقال بعضهم : مسحورا : أي له سحر ، أي رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب ، فهو بشر مثلكم ، وليس بملك ، وقد قدمنا كلام أهل العلم في قوله : مسحورا بشواهده العربية في سورة طه في الكلام على قوله تعالى :
ولا يفلح الساحر حيث أتى [ 20 \ 69 ] ولما ذكر الله هذا الذي قاله الكفار في نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، من الإفك والبهتان خاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ، وما قاله الكفار في هذه الآية أعني قولهم :
إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وما قاله الكفار في هذه الآية أعني قوله :
انظر كيف ضربوا لك الأمثال الآية . جاء كله مصرحا به في سورة بني إسرائيل في قوله تعالى :
[ ص: 22 ] نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ 17 \ 47 - 48 ] .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ضربوا لك الأمثال : قالوا فيك تلك الأقوال ، واقترحوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك ، وإلقاء كنز عليك من السماء ، وغير ذلك ، فبقوا متحيرين ضلالا لا يجدون قولا يستقرون عليه ، أو فضلوا عن الحق ، فلا يجدون طريقا إليه ا ه .
والأظهر عندي في معنى الآية ما قاله غير واحد من أن معنى : ضربوا لك الأمثال : أنها تارة يقولون إنك ساحر ، وتارة مسحور ، وتارة مجنون ، وتارة شاعر ، وتارة كاهن ، وتارة كذاب ، ومن ذلك ما ذكر الله عنهم من قوله هنا :
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه الآية [ 25 \ 5 ] وقوله :
وقالوا أساطير الأولين وقوله :
وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وقوله تعالى : فضلوا أي عن طريق الحق ، لأن الأقوال التي قالوها ، والأمثال التي ضربوها كلها كذب وافتراء وكفر مخلد في نار جهنم ، فالذين قالوها هم أضل الضالين ، وقوله تعالى :
فلا يستطيعون سبيلا فيه أقوال كثيرة متقاربة .
وأظهرها أن معنى : فلا يستطيعون سبيلا : أي طريقا إلى الحق والصواب ، ونفي الاستطاعة المذكورة هنا كقوله تعالى :
ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون [ 11 \ 20 ] وقوله تعالى :
الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ 18 \ 101 ] وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة هود في الكلام على قوله تعالى :
ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون [ 11 \ 20 ] وقد قدمنا أيضا معنى الظلم والضلال وما فيهما من الإطلاقات في اللغة مع الشواهد العربية في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .