قوله تعالى : بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الكفار كذبوا بالساعة أي أنكروا القيامة من أصلها لإنكارهم البعث بعد الموت والجزاء ، وأنه جل وعلا اعتد أي هيأ وأعد لمن كذب بالساعة : أي أنكر يوم القيامة سعيرا : أي نارا شديدة الحر يعذبه بها يوم القيامة .
[ ص: 23 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا يدل على أن
التكذيب بالساعة كفر مستوجب لنار جهنم ، كما سترى الآيات الدالة على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى . وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة ، وهما تكذيبهم بالساعة ، ووعيد الله لمن كذب بها بالسعير جاءا موضحين في آيات أخر ، أما تكذيبهم بيوم القيامة لإنكارهم البعث والجزاء بعد الموت ، فقد جاء في آيات كثيرة عن طوائف الكفار كقوله تعالى :
إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين [ 44 \ 34 - 35 ] وقوله تعالى :
من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وأما كفر من كذب بيوم القيامة ووعيده بالنار ، فقد جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى :
وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين [ 45 \ 32 ] إلى قوله :
ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [ 45 \ 34 ] فقوله :
ومأواكم النار بعد قوله :
قلتم ما ندري ما الساعة الآية ، يدل على أن قولهم : ما ندري ما الساعة هو سبب كون النار مأواهم ، وقوله بعده
ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا [ 45 \ 35 ] لا ينافي ذلك ؛ لأن من اتخاذهم آيات الله هزوا تكذيبهم بالساعة ، وإنكارهم البعث كما لا يخفى ، وكقوله تعالى :
وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ 13 \ 15 ] فقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الرعد أن إنكارهم البعث الذي عبروا عنه باستفهام الإنكار في قوله تعالى عنهم :
أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد جامع بين أمرين : الأول منهما : أنه عجب من العجب لكثرة البراهين القطعية الواضحة الدالة على ما أنكروه .
والثاني منهما : وهو محل الشاهد من الآية ، أن إنكارهم البعث المذكور كفر مستوجب للنار وأغلالها والخلود فيها ، وذلك في قوله تعالى مشيرا إلى الذين أنكروا البعث
أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ 13 \ 5 ] ومعلوم أن إنكار البعث إنكار للساعة ، وكقوله تعالى :
[ ص: 24 ] فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى [ 20 \ 16 ] أي لا يصدنك من لا يؤمن بالساعة عن الإيمان بها ، فتردى : أي تهلك لعدم إيمانك بها ، والردى الهلاك ، وهو هنا عذاب النار بسبب التكذيب بالساعة ، وقد قال تعالى :
وما يغني عنه ماله إذا تردى [ 92 \ 11 ] وقوله تعالى في آية " طه " هذه : ( فتردى ) ، يدل دلالة واضحة على أنه إن صده من لا يؤمن بالساعة عن التصديق بها ، أن ذلك يكون سببا لرداه أي هلاكه بعذاب النار كما لا يخفى ، وكقوله تعالى :
وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون فآية الروم هذه ، تدل على أن الذين كذبوا بلقاء الآخرة وهم الذين كذبوا بالساعة معدودون مع الذين كفروا وكذبوا بآيات الله ، وأنهم في العذاب محضرون . وهو عذاب النار . والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
بل كذبوا بالساعة [ 25 \ 11 ] أظهر الأقوال فيه عندي أنه متصل بما يليه ، وأن بل فيه للإضراب الانتقالي ، وقد أوضحنا معنى السعير مع بعض الشواهد العربية في أول سورة الحج ، والعلم عند الله تعالى .