مسألة .
اعلم أن التحقيق أن
النار تبصر الكفار يوم القيامة ، كما صرح الله بذلك في قوله هنا :
إذا رأتهم من مكان بعيد ورؤيتها إياهم من مكان بعيد ، تدل على حدة بصرها كما لا يخفى ، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله :
يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد [ 50 \ 30 ] والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة ، كحديث محاجة النار مع الجنة ، وكحديث اشتكائها إلى ربها ، فأذن لها في نفسين ، ونحو ذلك ، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا صرح في هذه الآية ، أنها تراهم وأن لها تغيظا على الكفار ، وأنها تقول :
هل من مزيد .
واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم ، من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر ، ولا تتكلم ، ولا تغتاظ . وأن ذلك كله من قبيل المجاز ، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها ، كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند ، والحق هو ما ذكرنا .
وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن النصوص من الكتاب والسنة ، لا يجوز صرفها عن ظاهرها إلا لدليل يجب الرجوع إليه ، كما هو معلوم في محله .
وقال
القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : إن القول بأن النار تراهم هو الأصح ، ثم قال لما روي مرفوعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009291من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا . قيل : يا رسول الله أولها عينان ؟ قال : أوما سمعتم الله - عز وجل - يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ، يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول : وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر ، فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه " وفي رواية "
يخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم " ذكره
رزين في كتابه ، وصححه
ابن العربي في قبسه ، وقال : أي تفصلهم عن
[ ص: 26 ] الخلق في المعرفة ، كما يفصل الطائر حب السمسم عن التربة ، وخرجه
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009292يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق فيقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر ، وبالمصورين " وفي الباب عن
أبي سعيد قال
أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . انتهى محل الغرض من كلام
القرطبي .
وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
وابن مردويه من طريق
مكحول ، عن
أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009293من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدا من بين عيني جهنم . قالوا : يا رسول الله وهل لجهنم من عين ؟ قال : نعم أما سمعتم الله يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد . فهل تراهم إلا بعينين " وأخرج
عبد الله بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، من طريق
خالد بن دريك ، عن رجل من الصحابة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009294من يقل علي ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا قيل : يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : نعم أما سمعتم الله يقول : " إذا رأتهم من مكان بعيد " إلى آخر كلامه ، وفيه
شدة هول النار ، وأنها تزفر زفرة يخاف منها جميع الخلائق .
نرجو الله جل وعلا أن يعيذنا وإخواننا المسلمين منها ، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل .