قوله تعالى :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
[ ص: 41 ] استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة : أن
حساب أهل الجنة يسير ، وأنه ينتهي في نصف نهار ، ووجه ذلك أن قوله : مقيلا : أي مكان قيلولة وهي الاستراحة في نصف النهار ، قالوا : وهذا الذي فهم من هذه الآية الكريمة ، جاء بيانه في قوله تعالى :
فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ 84 \ 7 - 9 ] .
ويفهم من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا الآية ، أن أصحاب النار ليسوا كذلك وأن حسابهم غير يسير .
وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى قريبا من هذه الآية :
الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [ 25 \ 26 ] فقوله : (
على الكافرين ) يدل على أنه على المؤمنين غير عسير ، كما قال تعالى :
لا يحزنهم الفزع الأكبر الآية [ 21 \ 103 ] . وقوله تعالى :
مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر [ 54 \ 8 ] وإذا علمت مما ذكرنا ما جاء من الآيات فيه بيان لقوله :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ، فهذه أقوال بعض المفسرين في المعنى الذي ذكرنا في الآية .
قال صاحب الدر المنثور : وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
خير مستقرا وأحسن مقيلا قال في الغرف من الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وذلك مثل قوله :
فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ 84 \ 7 - 9 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك في الزهد
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والحاكم ، وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . قال : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا وقرأ : ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : إنما هي ضحوة . فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وابن المنذر ،
وأبو نعيم في
[ ص: 42 ] الحلية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة ، نصف النهار . فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فذلك قوله :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
سعيد بن الصواف قال : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن ، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة ، حين يفرغ الناس من الحساب ، وذلك قوله :
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا إلى أن قال : وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
عكرمة قال : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر ، إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ، فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة ، فكانت قيلولتهم في الجنة ، وأطعموا كبد الحوت فأشبعهم كلهم فذلك قوله .
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا .
وذكر نحوه
القرطبي مرفوعا وقال : ذكره
المهدوي . والظاهر أنه لا يصح مرفوعا ، وقال
القرطبي أيضا : " وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ nindex.php?page=hadith&LINKID=1009296من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة [ 70 \ 4 ] فقلت ما أطول هذا اليوم . فقال - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة " وهو ضعيف أيضا ، وما ذكره عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من أنه قرأ ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم معلوم أن ذلك شاذ لا تجوز القراءة به ، وأن القراءة الحق
ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم [ 37 \ 68 ] .
واعلم أن قول
قتادة في هذه الآية معروف مشهور ، وعليه فلا دليل في الآية لما ذكرنا ، وقول
قتادة هو أن معنى قوله :
وأحسن مقيلا أي منزلا ومأوى ، وهذا التفسير لا دليل فيه على القيلولة في نصف النهار كما ترى .
وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا
وأحسن مقيلا من انقضاء الحساب في نصف نهار ، وبين ما دل عليه قوله تعالى :
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع ، وبعض الشواهد العربية .
[ ص: 43 ] واعلم أن المشهور في كلام العرب أن المقيل القيلولة أو مكانها ، وهي الاستراحة نصف النهار زمن الحر مثلا ، وإن لم يكن معها نوم ، ومنه قوله :
جزى الله خير الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد
أي نزلا فيها وقت القائلة ، كما قاله صاحب اللسان ، وما فسر به
قتادة الآية ، من أن المقيل المنزل والمأوى ، معروف أيضا في كلام العرب . ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة :
اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله
فقوله : يزيل الهام عن مقيله ، يعني : يزيل الرءوس عن مواضعها من الأعناق ، ومعلوم أن المقيل فيه المحل الذي تسكن فيه الرءوس ، والظاهر أن من هذا القبيل قول
أحيحة بن الجلاح الأنصاري :
وما تدري وإن أجمعت أمرا بأي الأرض يدركك المقيل
وعليه فالمعنى : بأي الأرض يدركك الثواب والإقامة بسبب الموت أو غيره من الأسباب ، وصيغة التفضيل في قوله هنا :
خير مستقرا وأحسن مقيلا تكلمنا على مثلها قريبا في الكلام على قوله تعالى :
قل أذلك خير أم جنة الخلد الآية [ 25 \ 15 ] .