قوله تعالى :
ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا .
أقسم جل وعلا في هذه الآية ، أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - قد أتوا على
القرية التي أمطرت مطر السوء ، وهو أن الله أمطر عليها حجارة من سجيل ، وهي
سذوم قرية
قوم لوط ، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة ، وهما أن الله أمطر هذه القرية مطر السوء الذي هو حجارة السجيل ، وأن الكفار أتوا عليها ، ومروا بها جاء موضحا في آيات أخرى .
أما كون الله أمطر عليها الحجارة المذكورة ، فقد ذكره جل وعلا في آيات كثيرة ; كقوله تعالى :
فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل [ 15 \ 74 ] وبين في سورة " الذاريات " ، أن السجيل المذكور نوع من الطين ، وذلك في قوله تعالى :
إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين [ 51 \ 32 - 33 ] ولا شك أن هذا الطين وقعه أليم ، شديد مهلك ; وكقوله تعالى :
وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين [ 26 \ 173 ] وقوله تعالى :
لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل الآية [ 15 \ 72 - 74 ] .
[ ص: 57 ] وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة ، فقد جاء موضحا أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى :
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ 37 \ 137 - 138 ] والمراد بأنهم مروا على قرية قوم
لوط ، وأن مرورهم عليها ، ورؤيتهم لها خالية من أهلها ليس فيها داع ، ولا مجيب ; لأن الله أهلك أهلها جميعا لكفرهم وتكذيبهم رسوله
لوطا ، فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن تكذيب نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لئلا ينزل بالذين كذبوه مثل ما نزل بقوم
لوط من العذاب والهلاك ، وبذا وبخهم على عدم
الاعتبار بما أنزل بها من العذاب ; كقوله في آية " الصافات " المذكورة : أفلا تعقلون ، وكقوله تعالى في آية " الفرقان " هذه :
أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا ، فقوله :
أفلم يكونوا يرونها توبيخ لهم على عدم الاعتبار ; كقوله في الآية الأخرى : أفلا تعقلون ، ومعلوم أنهم يمرون عليها مصبحين ، وبالليل وأنهم يرونها ; وكقوله تعالى :
وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم [ 15 \ 74 - 76 ] يعني : أن ديار قوم
لوط بسبيل مقيم ، أي : بطريق مقيم ، يمرون فيه عليها في سفرهم إلى
الشام ، وقوله تعالى :
بل كانوا لا يرجون نشورا ، أي : لا يخافون بعثا ولا جزاء ، أو لا يرجون بعثا وثوابا .