قوله تعالى :
وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين .
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحته ، وذكرنا أمثلة متعددة لذلك في الترجمة ، وفيما مضى من الكتاب .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن قوله هنا :
وتقلبك في الساجدين ، قال فيه بعض أهل العلم المعنى : وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين ، أي : المؤمنين بالله
كآدم ونوح ،
وإبراهيم ،
وإسماعيل .
واستدل بعضهم لهذا القول فيمن بعد
إبراهيم من آبائه ، بقوله تعالى عن
إبراهيم :
وجعلها كلمة باقية في عقبه [ 43 \ 28 ] وممن روي عنه هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نقله عنه
القرطبي ، وفي الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول ، وهي قوله تعالى قبله مقترنا به :
الذي يراك حين تقوم ، فإنه لم يقصد به أن يقوم في أصلاب الآباء إجماعا ، وأول الآية مرتبط بآخرها ، أي : الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك ، وحين تقوم من فراشك ومجلسك ، ويرى
وتقلبك في الساجدين ، أي : المصلين ، على أظهر الأقوال ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - يتقلب في المصلين قائما ، وساجدا وراكعا ، وقال بعضهم :
الذي يراك حين تقوم ، أي : إلى الصلاة وحدك ، و
وتقلبك في الساجدين ، أي : المصلين إذا صليت بالناس .
وقوله هنا :
الذي يراك حين تقوم الآية ، يدل على الاعتناء به - صلى الله عليه وسلم - ، ويوضح ذلك قوله تعالى :
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا الآية [ 52 \ 48 ] .
[ ص: 104 ] وقوله : وتوكل قرأه عامة السبع غير
نافع وابن عامر : وتوكل بالواو ، وقرأه
نافع وابن عامر : فتوكل بالفاء ، وبعض نسخ المصحف العثماني فيها الواو وبعضها فيها الفاء ، وقوله هنا :
وتوكل على العزيز الرحيم ، قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة " الفاتحة " ، في الكلام على قوله تعالى :
وإياك نستعين [ 1 \ 5 ] وبسطنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع بيان معنى التوكل في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى :
وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا [ 17 \ 2 ] .