باب في
معرفة الموتى بزيارة الأحياء .
حدثنا
محمد بن عون ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17345يحيى بن يمان ، عن
عبد الله بن سمعان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه ، حتى يقوم " .
حدثنا
محمد بن قدامة الجوهري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى القزاز ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ ص: 136 ] - رضي الله تعالى عنه - قال : إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام .
وذكر
ابن القيم في كلام
أبي الدنيا وغيره آثارا تقتضي سماع الموتى ، ومعرفتهم لمن يزورهم ، وذكر في ذلك مرائي كثيرا جدا ، ثم قال : وهذه المرائي ، وإن لم تصلح بمجردها لإثبات مثل ذلك ، فهي على كثرتها ، وأنها لا يحصيها إلا الله قد تواطأت على هذا المعنى ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009328أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر " ، يعني ليلة القدر ، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء ، كان كتواطؤ روايتهم له ، ومما قاله
ابن القيم في كلامه الطويل المذكور ، وقد ثبت في الصحيح أن
الميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه ، فروى
مسلم في صحيحه من حديث
عبد الرحمن بن شماسة المهري ، قال : حضرنا
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، وهو في سياق الموت ، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار . . الحديث ، وفيه : فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور ، ويقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ، فدل على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسر بهم ، ا هـ .
ومعلوم أن هذا الحديث له حكم الرفع ، لأن استئناس المقبور بوجود الأحياء عند قبره لا مجال للرأي فيه .
ومما قاله
ابن القيم في كلامه الطويل المذكور : ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرا ، فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره ، لم يصح أن يقال : زاره ، وهذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم ، وكذلك السلام عليهم أيضا ، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال ، وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009315 " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية " ، وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ، ويخاطب ، ويعقل ، ويرد ، وإن لم يسمع المسلم الرد .
ومما قاله
ابن القيم في كلامه الطويل قوله : وقد ترجم
الحافظ أبو محمد عبد الحق الأشبيلي على هذا ، فقال : ذكر ما جاء أن
الموتى يسألون عن الأحياء ، ويعرفون أقوالهم وأعمالهم ، ثم قال : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من [ ص: 137 ] رجل يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه ، إلا عرفه ورد عليه السلام " .
ويروى من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا ، قال : "
فإن لم يعرفه وسلم عليه رد عليه السلام " ، قال : ويروى من حديث
عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده ، إلا استأنس به حتى يقوم " ، واحتج
الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه
أبو داود في سننه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009332 " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " .
ثم ذكر
ابن القيم عن
عبد الحق وغيره مرائي وآثارا في الموضوع ، ثم قال في كلامه الطويل : ويدل على هذا أيضا ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن ، من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة ، وكان عبثا . وقد سئل عنه الإمام
أحمد رحمه الله ، فاستحسنه واحتج عليه بالعمل .
ويروى فيه حديث ضعيف : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه من حديث
أبي أمامة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009333إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب ، فليقم أحدكم على رأس قبره ، فيقول : يا فلان بن فلانة " ، الحديث . وفيه : " اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأنك رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إماما " ، الحديث . ثم قال
ابن القيم : فهذا الحديث وإن لم يثبت ، فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به ، وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها ، وهي أكمل الأمم عقولا ، وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع ، وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر ، ويقتدي فيه الآخر بالأول ، فلولا أن الخطاب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب ، والخشب والحجر والمعدوم ، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه .
وقد روى
أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر جنازة رجل ، فلما دفن قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009334سلوا لأخيكم التثبيت ، فإنه الآن يسأل " ، فأخبر أنه يسأل حينئذ ، وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009335أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين .
ثم ذكر
ابن القيم قصة
الصعب بن جثامة ،
nindex.php?page=showalam&ids=6201وعوف بن مالك ، وتنفيذ
عوف لوصية
الصعب له في المنام بعد موته ، وأثنى على
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك بالفقه في تنفيذه وصية
الصعب بعد موته ، لما
[ ص: 138 ] علم صحة ذلك بالقرائن ، وكان في الوصية التي نفذها
عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة
الصعب كانت دينا له عليه ، ومات قبل قضائها .
قال
ابن القيم : وهذا من فقه
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك رضي الله عنه ، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية
الصعب بن جثامة بعد موته ، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها ، من أن الدنانير عشرة وهي في القرن ، ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر ، فأعطى اليهودي الدنانير ، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم ، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك ، ويقول : كيف جاز
لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعبة ، وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام .
ثم ذكر
ابن القيم تنفيذ
خالد nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وصية
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بعد موته ، وفي وصيته المذكورة قضاء دين عينه لرجل في المنام ، وعتق بعض رقيقه ، وقد وصف للرجل الذي رآه في منامه الموضع الذي جعل فيه درعه الرجل الذي سرقها ، فوجدوا الأمر كما قال ، وقصته مشهورة .
وإذا كانت وصية الميت بعد موته قد نفذها في بعض الصور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ذلك يدل على أنه يدرك ويعقل ويسمع ، ثم قال
ابن القيم في خاتمة كلامه الطويل : والمقصود جواب السائل وأن الميت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها ، فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه ودعاؤه له أولى وأحرى ، ا هـ .
فكلام
ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلا ، فيه من الأدلة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات ، وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه
أبي العباس بن تيمية ، وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحة ، وآثار كثيرة ، ومرائي متواترة وغير ذلك ، ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام
ابن القيم من تلقين الميت بعد الدفن ، أنكره بعض أهل العلم ، وقال : إنه بدعة ، وأنه لا دليل عليه ، ونقل ذلك عن الإمام
أحمد وأنه لم يعمل به إلا
أهل الشام ، وقد رأيت
ابن القيم استدل له بأدلة ، منها : أن الإمام
أحمد رحمه الله سئل عنه فاستحسنه . واحتج عليه بالعمل . ومنها : أن عمل المسلمين اتصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار .
ومنها : أن الميت يسمع قرع نعال الدافنين إذا ولوا مدبرين ، واستدلاله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدا ; لأنه إذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال ، فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب النعال أولى
[ ص: 139 ] وأحرى ، واستدلاله لذلك بحديث
أبي داود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009334سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل " ، له وجه من النظر ; لأنه إذا كان يسمع سؤال السائل فإنه يسمع تلقين الملقن ، والله أعلم .
والفرق بين سماعه سؤال الملك وسماعه التلقين من الدافنين محتمل احتمالا قويا ، وما ذكره بعضهم من أن التلقين بعد الموت لم يفعله إلا
أهل الشام ، يقال فيه : إنهم هم أول من فعله ، ولكن الناس تبعوهم في ذلك ، كما هو معلوم عند المالكية والشافعية . قال
الشيخ الحطاب في كلامه على قول
خليل بن إسحاق المالكي في مختصره : ( وتلقينه الشهادة ) وجزم
النووي باستحباب التلقين بعد الدفن .
وقال
الشيخ زروق في شرح الرسالة والإرشاد ، وقد سئل عنه
أبو بكر بن الطلاع من المالكية ، فقال : هو الذي نختاره ونعمل به ، وقد روينا فيه حديثا عن
أبي أمامة ليس بالقوي ، ولكنه اعتضد بالشواهد ، وعمل
أهل الشام قديما ، إلى أن قال : وقال في المدخل : ينبغي أن يتفقده بعد انصراف الناس عنه من كان من أهل الفضل والدين ، ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه ; لأن الملكين عليهما السلام ، إذ ذاك يسألانه وهو يسمع قرع نعال المنصرفين .
وقد روى
أبو داود في سننه عن
عثمان - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ، وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009336استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " ، إلى أن قال : وقد كان سيدي
أبو حامد بن البقال ، وكان من كبار العلماء والصلحاء ، إذا حضر جنازة عزى وليها بعد الدفن ، وانصرف مع من ينصرف ، فيتوارى هنيهة حتى ينصرف الناس ، ثم يأتي إلى القبر ، فيذكر الميت بما يجاوب به الملكين عليهما السلام ، انتهى محل الغرض من كلام
الحطاب .
وما ذكره من كلام
أبي بكر بن الطلاع المالكي له وجه قوي من النظر ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى .
ثم قال
الحطاب : واستحب التلقين بعد الدفن أيضا
القرطبي والثعالبي وغيرهما ، ويظهر من كلام أبي . . . في أول كتاب الجنائز يعني من صحيح
مسلم ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص في كتاب " الإيمان " ميل إليه ، انتهى من
الحطاب . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص المشار إليه ، هو الذي ذكرنا محل الغرض منه في كلام
ابن القيم الطويل المتقدم .
قال
مسلم في " صحيحه " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى العنزي ،
وأبو معن الرقاشي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15106وإسحاق بن منصور ، كلهم عن
أبي عاصم . واللفظ
لابن المثنى : حدثنا
الضحاك ، يعني أبا عاصم ، قال : أخبرنا
حيوة بن شريح ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ، عن
ابن شماسة [ ص: 140 ] المهري ، قال : حضرنا
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، وهو في سياقة الموت ، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار ، الحديث . وقد قدمنا محل الغرض منه بلفظه في كلام
ابن القيم المذكور ، وقدمنا أن حديث
عمرو هذا له حكم الرفع ، وأنه دليل صحيح على استئناس الميت بوجود الأحياء عند قبره .
وقال
النووي في " روضة الطالبين " ، ما نصه :
ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن ، فيقال : يا عبد الله ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن
محمدا رسول الله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن البعث حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنت رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ،
وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ، وبالقرآن إماما ،
وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخوانا ، ورد به الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم .
قلت : هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا ، منهم
القاضي حسين ، وصاحب التتمة ،
والشيخ نصر المقدسي في كتابه " التهذيب " وغيرهم ، ونقله
القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا ، والحديث الوارد فيه ضعيف ، لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم ، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة ; كحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003089 " اسألوا له التثبيت " ، ووصية
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص : أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ، ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي ، رواه
مسلم في صحيحه ، ولم يزل
أهل الشام على العمل بهذا التلقين ، من العصر الأول ، وفي زمن من يقتدى به ، ا هـ محل الغرض من كلام
النووي .
وبما ذكر
ابن القيم وابن الطلاع ، وصاحب المدخل من المالكية ،
والنووي من الشافعية ، كما أوضحنا كلامهم تعلم أن التلقين بعد الدفن له وجه قوي من النظر ; لأنه جاء فيه حديث ضعيف ، واعتضد بشواهد صحيحة ، وبعمل
أهل الشام قديما ، ومتابعة غيرهم لهم .
وبما علم في علم الحديث من
التساهل في العمل بالضعيف في أحاديث الفضائل ، ولا سيما المعتضد منها بصحيح ، وإيضاح شهادة الشواهد له أن
حقيقة التلقين بعد الدفن مركبة من شيئين : أحدهما : سماع الميت كلام ملقنه بعد دفنه .
[ ص: 141 ] والثاني : انتفاعه بذلك التلقين ، وكلاهما ثابت في الجملة ، أما سماعه لكلام الملقن فيشهد له سماعه لقرع نعل الملقن الثابت في الصحيحين ، وليس سماع كلامه بأبعد من سماع قرع نعله كما ترى . وأما انتفاعه بكلام الملقن ، فيشهد له انتفاعه بدعاء الحي وقت السؤال في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009337سلوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل الآن " ، واحتمال الفرق بين الدعاء والتلقين قوي جدا كما ترى ، فإذا كان وقت السؤال ينتفع بكلام الحي الذي هو دعاؤه له ، فإن ذلك يشهد لانتفاعه بكلام الحي الذي هو تلقينه إياه وإرشاده إلى جواب الملكين ، فالجميع في الأول سماع من الميت لكلام الحي ، وفي الثاني انتفاع من الميت بكلام الحي وقت السؤال ، وقد علمت قوة احتمال الفرق بين الدعاء والتلقين .
وفي ذلك كله دليل على سماع الميت كلام الحي ، ومن أوضح الشواهد للتلقين بعد الدفن السلام عليه ، وخطابه خطاب من يسمع ، ويعلم عند زيارته ، كما تقدم إيضاحه ; لأن كلا منهما خطاب له في قبره ، وقد انتصر
ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة " الروم " ، في كلامه على قوله تعالى :
فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء ، إلى قوله :
فهم مسلمون [ 30 \ 32 - 33 ] ، لسماع الموتى ، وأورد في ذلك كثيرا من الأدلة التي قدمنا في كلام
ابن القيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا وغيرهما ، وكثيرا من المرائي الدالة على ذلك ، وقد قدمنا الحديث الدال على أن
المرائي إذا تواترت أفادت الحجة ، ومما قال في كلامه المذكور : وقد استدلت أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها بهذه الآية :
فإنك لا تسمع الموتى ، على توهيم
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، في روايته مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - القتلى الذين ألقوا في
قليب بدر بعد ثلاثة أيام ، إلى أن قال : والصحيح عند العلماء رواية
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، لما لها من الشواهد على صحتها ، من أشهر ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر مصححا له عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا : "
ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه " ، الحديث .
وقد قدمناه في هذا المبحث مرارا ، وبجميع ما ذكرنا في هذا المبحث في الكلام على آية " النمل " هذه تعلم أن الذي يرجحه الدليل : أن
الموتى يسمعون سلام الأحياء وخطابهم سواء قلنا : إن الله يرد عليهم أرواحهم حتى يسمعوا الخطاب ويردوا الجواب ، أو قلنا : إن الأرواح أيضا تسمع وترد بعد فناء الأجسام ، لأنا قد قدمنا أن هذا ينبني على مقدمتين : ثبوت سماع الموتى بالسنة الصحيحة ، وأن القرآن لا يعارضها على التفسير
[ ص: 142 ] الصحيح الذي تشهد له القرائن القرآنية ، واستقراء القرآن ، وإذا ثبت ذلك بالسنة الصحيحة من غير معارض من كتاب ولا سنة ظهر بذلك رجحانه على تأول
عائشة رضي الله عنها ومن تبعها بعض آيات القرآن ، كما تقدم إيضاحه .
وفي الأدلة التي ذكرها
ابن القيم في كتاب الروح على ذلك مقنع للمنصف ، وقد زدنا عليها ما رأيت ، والعلم عند الله تعالى .