قوله تعالى : ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 )
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) .
أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة هو الحكم والقضاء ، وقد قدمنا أن الفتاح : القاضي ، وهي لغة
حميرية قديمة ، والفتاحة : الحكم والقضاء ، ومنه قوله :
ألا من مبلغ
عمرا رسولا بأني عن فتاحتكم غني .
وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم ; كقوله تعالى عن نبيه شعيب :
على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [ 7 \ 89 ] ، أي : احكم بيننا بالحق ، وأنت خير الحاكمين .
وقوله تعالى عن نبيه
نوح :
قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا الآية [ 26 \ 117 - 118 ] ، أي : احكم بيني وبينهم حكما ، وقوله تعالى :
قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم [ 34 \ 26 ] ، وقوله تعالى :
[ ص: 187 ] إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح [ 8 \ 19 ] ، أي : إن تطلبوا الحكم بهلاك الظالم منكم ومن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاءكم الفتح ، أي : الحكم بهلاك الظالم وهو هلاكهم يوم
بدر ; كما قاله غير واحد . وقد ذكروا أنهم لما أرادوا الخروج إلى
بدر ، جاء
أبو جهل وتعلق بأستار
الكعبة ، وقال : اللهم إنا قطان بيتك نسقي الحجيج ، ونفعل ونفعل ، وإن
محمدا قطع الرحم وفرق الجماعة ، وعاب الدين ، وشتم الآلهة ، وسفه أحلام الآباء ، اللهم أهلك الظالم منا ومنه ، فطلب الحكم على الظالم ، فجاءهم الحكم على الظالم فقتلوا
ببدر ، وصاروا إلى الخلود في النار ، إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى قول من قال من أهل العلم : إن المراد بالفتح في الآية الحكم والقضاء بينهم يوم القيامة ، فلا إشكال في قوله تعالى :
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، وعلى القول بأن المراد بالفتح في الآية الحكم بينهم في الدنيا بهلاك الكفار ، كما وقع يوم
بدر . فالظاهر أن معنى قوله تعالى :
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، أي : إذا عاينوا الموت وشاهدوا القتل ، بدليل قوله تعالى :
فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [ 40 \ 84 - 85 ] ، وقوله تعالى :
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن الآية [ 4 \ 18 ] ، وقوله تعالى في
فرعون :
حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين [ 10 \ 90 - 91 ] . ولا يخفى أن قول من قال من أهل العلم : إن الفتح في هذه الآية فتح
مكة أنه غير صواب ، بدليل قوله تعالى :
قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ومعلوم أن فتح
مكة لا يمنع انتفاع المؤمن في وقته بإيمانه ، كما لا يخفى .