المسألة الحادية عشرة : اختلف العلماء فيمن
قال لأمته : أنت علي كظهر أمي ، أو قال ذلك لأم ولده ، فقال بعض أهل العلم : لا يصح الظهار من المملوكة ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
وعبد الله بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
وربيعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأبي حنيفة وأصحابه ،
وأحمد . وقال بعضهم : يصح الظهار من الأمة أم ولد كانت أو غيرها ، وهو مذهب
مالك ، وهو مروي أيضا عن
الحسن ،
وعكرمة ،
والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، والحكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وقتادة ، وهو رواية عن
أحمد ، وعن
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : إن كان يطؤها فهو ظهار ، وإلا فلا . وعن
عطاء : إن ظاهر من أمته ، فعليه نصف كفارة الظهار من الحرة .
واحتج الذين قالوا : إن الأمة لا يصح الظهار منها ، بأدلة : منها أنهم زعموا أن قوله :
يظاهرون من نسائهم ، يختص بالأزواج دون الإماء .
ومنها أن الظهار لفظ يتعلق به تحريم الزوجة ، فلا تدخل فيه الأمة قياسا على الطلاق .
ومنها أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فنقل حكمه وبقي محله ، ومحل الطلاق الأزواج دون الإماء .
[ ص: 200 ] ومنها أن تحريم الأمة تحريم لمباح من ماله ، فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله عند من يقول : بأن تحريم المال فيه كفارة يمين ، كما تقدم في سورة " الحج " .
قالوا : ومنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته مارية ، فلم يلزمه ظهار بل كفارة يمين ; كما قال تعالى في تحريمه إياها :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ 66 \ 1 ] ، ثم قال :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم الآية [ 66 \ 2 ] .
واحتج القائلون بصحة الظهار من الأمة ، بدخولها في عموم قوله تعالى :
والذين يظاهرون من نسائهم ، قالوا : وإماؤهم من نسائهم ; لأن تمتعهم بإمائهم من تمتعهم بنسائهم ، قالوا : ولأن الأمة يباح وطؤها ، كالزوجة فصح الظهار منها كالزوجة ، قالوا : وقوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - شرب العسل في القصة المشهورة ، لا في تحريم الجارية .
وحجة
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وحجة
عطاء كلتاهما واضحة ، كما تقدم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي في قول
مالك وأصحابه : بصحة
الظهار من الأمة ، وهي مسألة عسيرة علينا ; لأن
مالكا يقول : إذا قال لأمته أنت علي حرام لا يلزم ، فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته ؟ ولكن تدخل الأمة في عموم قوله :
من نسائهم ; لأنه أراد من محللاتهم .
والمعنى فيه : أنه لفظ يتعلق بالبضع دون رفع العقد ، فصح في الأمة أصله الحلف بالله تعالى ، ا هـ منه ، بواسطة نقل
القرطبي .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : لا يبعد بمقتضى الصناعة الأصولية ، والمقرر في علوم القرآن : أن يكون هناك فرق بين تحريم الأمة وتحريم الزوجة .
وإيضاح ذلك : أن قوله تعالى :
لم تحرم ما أحل الله لك ، جاء في بعض الروايات الصحيحة في السنن وغيرها ، أنه نزل في تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - جاريته
مارية أم إبراهيم ، وإن كان جاء في الروايات الثابتة في الصحيحين : أنه نزل في تحريمه العسل الذي كان شربه عند بعض نسائه ، وقصة ذلك مشهورة صحيحة ; لأن المقرر في علوم القرآن أنه إذا ثبت نزول الآية في شيء معين ، ثم ثبت بسند آخر صحيح أنها نزلت في شيء آخر معين غير
[ ص: 201 ] الأول ، وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا ، فيكون لنزولها سببان ، كنزول آية اللعان في
عويمر وهلال معا .
وبه تعلم أن ذلك يلزمه أن يقال : إن قوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية نزل في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - العسل على نفسه ، وفي تحريمه جاريته ، وإذا علمت بذلك نزول قوله :
لم تحرم ، في تحريم الجارية ، علمت أن القرآن دل على أن تحريم الجارية لا يحرمها ، ولا يكون ظهارا منها ، وأنه تلزم فيه كفارة يمين ; كما صح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومن وافقه . وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لما بين أن فيه كفارة يمين
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر عن تحريمه جاريته كفارة يمين ; لأن الله تعالى قال :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، بعد تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته المذكورة في قوله :
لم تحرم ما أحل الله لك ، ومن قال من أهل العلم : إن من حرم جاريته لا تلزمه كفارة يمين ، وإنما يلزمه الاستغفار فقط ، فقد احتج بقوله تعالى :
والله غفور رحيم ، بعد قوله :
لم تحرم ، وقال :
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حرم جاريته ، قال مع ذلك : " والله لا أعود إليها " ، وهذه اليمين هي التي نزل في شأنها :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، ولم تنزل في مطلق تحريم الجارية ، واليمين المذكورة مع التحريم في قصة الجارية ، قال في " نيل الأوطار " : رواها
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بسند صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم التابعي المشهور ، لكنه أرسله ، اهـ . وكذلك رواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
وقال
ابن كثير في " تفسيره " : إن
nindex.php?page=showalam&ids=14559الهيثم بن كليب رواه في مسنده بسند صحيح وساق السند المذكور عنه - رضي الله عنه - ، والمتن فيه التحريم واليمين كما ذكرنا ، وعلى ما ذكرنا من أن آية :
لم تحرم ما أحل الله لك ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته ، فالفرق بين تحريم الجارية والزوجة ظاهر ; لأن آية
لم تحرم دلت على أن تحريم الجارية لا يحرمها ولا يكون ظهارا ، وآية
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الآية ، دلت على أن تحريم الزوجة تلزم فيه كفارة الظهار المنصوص عليه في " المجادلة " ; لأن معنى :
يظاهرون من نسائهم على جميع القراءات هو أن يقول أحدهم لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، وهذا لا خلاف فيه . وقوله : أنت علي كظهر أمي ، معناه : أنت علي حرام ، كما تقدم إيضاحه .
وعلى هذا فقد دلت آية " التحريم " على حكم تحريم الأمة ، وآية " المجادلة " على حكم تحريم الزوجة ، وهما حكمان متغايران ،
[ ص: 202 ] كما ترى . ومعلوم أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - لم يقل بالفرق بينهما ، بل قال : إن حكم تحريم الزوجة كحكم تحريم الجارية المنصوص في آية " التحريم " ، ونحن نقول : إن آية الظهار تدل بفحواها على أن تحريم الزوجة ظهار ; لأن " أنت علي كظهر أمي " ، و " أنت علي حرام " معناهما واحد ، كما لا يخفى . وعلى هذا الذي ذكرنا ، فلا يصح الظهار من الأمة ، وإنما يلزم في تحريمها بظهار ، أو بصريح التحريم كفارة يمين أو الاستغفار كما تقدم . وهذا أقرب لظاهر القرآن ، وإن كان كثير من العلماء على خلافه .
وقد قدمنا أن تحريم الرجل امرأته فيه للعلماء عشرون قولا ، وسنذكرها هنا باختصار ونبين ما يظهر لنا رجحانه بالدليل منها ، إن شاء الله تعالى .
القول الأول : هو أن تحريم الرجل امرأته لغو باطل ، لا يترتب عليه شيء . قال
ابن القيم في " إعلام الموقعين " : وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
مسروق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
وداود ، وجميع
أهل الظاهر ، وأكثر أصحاب الحديث ، وهو أحد قولي المالكية ، اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج . وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقول : إذا حرم الرجل امرأته ، فليس بشيء
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] ، وصح عن
مسروق أنه قال : ما أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد . وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي في تحريم المرأة : لهو أهون علي من نعلي . وقال
أبو سلمة : ما أبالي أحرمت امرأتي أو حرمت ماء النهر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15698الحجاج بن منهال : إن رجلا جعل امرأته عليه حراما ، فسأل عن ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن ، فقال
حميد : قال الله تعالى :
فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب [ 94 \ 7 - 8 ] ، وأنت رجل تلعب ، فاذهب فالعب ، ا هـ منه .
واستدل أهل هذا القول بقوله تعالى :
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [ 16 \ 116 ] ، وقوله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [ 5 \ 87 ] ، وعموم قوله تعالى :
قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم [ 6 \ 150 ] ، وعموم قوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية ، وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007135من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد " ، ومعلوم أن تحريم ما أحل الله ليس من أمرنا .
[ ص: 203 ] القول الثاني : أن التحريم ثلاث تطليقات ، قال في " إعلام الموقعين " : وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى . وقضى فيها أمير المؤمنين
علي رضي الله عنه بالثلاث في
عدي بن قيس الكلابي ، وقال : والذي نفسي بيده ، لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك . وقال في " زاد المعاد " : وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة ، ثم قال : قلت : الثابت عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أن في ذلك كفارة يمين ، وذكر في " الزاد " أيضا : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم نقل عن
علي الوقف في ذلك ، وحجة هذا القول بثلاث أنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث ، فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما عليه .
القول الثالث : أنها حرام عليه بتحريمه إياها ، قال في " إعلام الموقعين " : وصح هذا أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15826وخلاس بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
وقتادة ، ولم يذكر هؤلاء طلاقا بل أمروه باجتنابها فقط .
وصح ذلك أيضا عن
علي رضي الله عنه ، فإما أن يكون عنه روايتان ، وإما أن يكون أراد تحريم الثلاث ، وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ، ولم يتعرض لعدد الطلاق ، فحرمت عليه بمقتضى تحريمه .
القول الرابع : الوقف . قال في " إعلام الموقعين " : صح ذلك أيضا عن أمير المؤمنين
علي رضي الله عنه ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وحجة هذا القول : أن التحريم ليس بطلاق ، وهو لا يملك تحريم الحلال ، إنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به ، وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ، ولا هو مما ثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة ، فاشتبه الأمر فيه فوجب الوقف للاشتباه .
القول الخامس : إن نوى به الطلاق فهو طلاق ، وإلا فهو يمين . قال في " الإعلام " : وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ورواية عن
الحسن ، ا هـ .
وحكي هذا القول أيضا عن
النخعي ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر . وحجة هذا القول : أن التحريم كناية في الطلاق ، فإن نواه به كان طلاقا ، وإن لم ينوه كان يمينا ; لقوله تعالى :
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، إلى قوله تعالى :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم .
القول السادس : أنه إن نوى به الثلاث فثلاث ، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة ، وإن
[ ص: 204 ] نوى يمينا فهو يمين ، وإن لم ينو شيئا هو كذبة لا شيء فيها ، قاله
سفيان ، وحكاه
النخعي عن أصحابه ، وحجة هذا القول : أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك ، فيتبع نيته .
القول السابع : مثل هذا إلا أنه إن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي . وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم .
القول الثامن : مثل هذا أيضا ، إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنة إعمالا للفظ التحريم ، هكذا ذكر هذا القول في " إعلام الموقعين " ، ولم يعزه لأحد .
وقال صاحب " نيل الأوطار " : وقد حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي .
القول التاسع : أن فيه كفارة الظهار . قال في " إعلام الموقعين " : وصح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا ،
وأبي قلابة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي ، وهو إحدى الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد . وحجة هذا القول : أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهارا وجعله منكرا من القول وزورا ، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهرا ، فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار ، وهذا أقيس الأقوال وأفقهها . ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل ، وإنما ذلك إليه تعالى ، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال ، التي يترتب عليها التحريم والتحليل ، فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله تعالى ، فإذا قال : أنت علي كظهر أمي ، أو قال : أنت علي حرام ، فقد قال المنكر من القول والزور ، وقد كذب ، فإن الله لم يجعلها كظهر أمه ، ولا جعلها عليه حراما ، فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين ، وهي كفارة الظهار .
القول العاشر : أنه تطليقة واحدة ، وهي إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة ، وحجة هذا القول : أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث ، بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة ، فحمل اللفظ عليها ; لأنها اليقين فهو نظير التحريم بانقضاء العدة .
القول الحادي عشر : أنه ينوي فيما أراد من ذلك ، فيكون له نيته في أصل الطلاق وعدده ، وإن نوى تحريما بغير طلاق ، فيمين مكفرة . قال
ابن القيم : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وحجة هذا القول : أن اللفظ صالح لذلك كله ، فلا يتعين واحد منها إلا بالنية ، فإن نوى تحريما مجردا كان امتناعا منها بالتحريم كامتناعه باليمين ، ولا تحرم عليه في
[ ص: 205 ] الموضعين ، ا هـ . وقد تقدم أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هو القول الخامس .
قال في " نيل الأوطار " : وهو الذي حكاه عنه في " فتح الباري " ، بل حكاه عنه
ابن القيم نفسه .
القول الثاني عشر : أنه ينوي في أصل الطلاق وعدده ، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة ، وإن لم ينو الطلاق فهو مؤول ، وإن نوى الكذب فليس بشيء ، وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه .
وحجة هذا القول : احتمال اللفظ لما ذكره ، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة ، لاقتضاء التحريم للبينونة ، وهي صغرى وكبرى ، والصغرى هي المتحققة ، فاعتبرت دون الكبرى . وعنه رواية أخرى : إن نوى الكذب دين ، ولم يقبل في الحكم بل كان مؤليا ، ولا يكون ظهارا عنده ، نواه أو لم ينوه ، ولو صرح به فقال : أعني بها الظهار ، لم يكن مظاهرا ، انتهى من " إعلام الموقعين " .
وقال
الشوكاني في " نيل الأوطار " ، بعد أن ذكر كلام
ابن القيم الذي ذكرناه آنفا ، إلى قوله : وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه ، هكذا قال
ابن القيم . وفي " الفتح " عن الحنفية : أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة ، وإن لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير مؤليا ، ا هـ .
القول الثالث عشر : أنه يمين يكفره ما يكفر اليمين . قال
ابن القيم في " إعلام الموقعين " : صح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ،
وعكرمة ،
وعطاء ، ومكحول ،
وقتادة ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وخلق سواهم رضي الله عنهم .
وحجة هذا القول ظاهر القرآن العظيم ، فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال ، فلا بد أن يتناوله يقينا ، فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها ، ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله ، اهـ منه .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الظاهر أن
ابن القيم أراد بكلامه هذا أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ، وأن قوله :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، نازل في تحريم الحلال المذكور في قوله تعالى :
لم تحرم ما أحل الله لك ، وما ذكره من
[ ص: 206 ] شمول قوله :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، لقوله :
لم تحرم ما أحل الله لك ، على سبيل اليقين . والجزم لا يخلو عندي من نظر ، لما قدمنا عن بعض أهل العلم من أن قوله :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم نازل في حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعود لما حرم على نفسه لا في أصل التحريم ، وقد أشرنا للروايات الدالة على ذلك في أول هذا المبحث .
القول الرابع عشر : أنه يمين مغلظة يتعين فيها عتق رقبة . قال
ابن القيم : وصح ذلك أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبي بكر ،
وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وجماعة من التابعين .
وحجة هذا القول : أنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها بتحتم العتق ، ووجه تغليظها تضمنها تحريم ما أحل الله ، وليس إلى العبد . وقول المنكر والزور وإن أراد الخبر فهو كاذب في إخباره معتد في إقسامه ، فغلظت كفارته بتحتم العتق ; كما غلظت
كفارة الظهار به أو بصيام شهرين ، أو بإطعام ستين مسكينا .
القول الخامس عشر : أنه طلاق ، ثم إنها إن كانت غير مدخول بها ، فهو ما نواه من الواحدة وما فوقها . وإن كانت مدخولا بها ، فثلاث . وإن نوى أقل منها ، وهو إحدى الروايتين عن
مالك .
وحجة هذا القول : أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يرتب عليه حكمه ، وغير المدخول بها تحرم بواحدة ، والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث .
وبعد : ففي مذهب
مالك خمسة أقوال هذا أحدها ، وهو مشهورها .
والثاني : أنها ثلاث بكل حال نوى الثلاث أو لم ينوها ، اختاره
عبد الملك في مبسوطه .
والثالث : أنها واحدة بائنة مطلقا ، حكاه
ابن خويز منداد رواية عن
مالك .
والرابع : أنه واحدة رجعية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15136عبد العزيز بن أبي سلمة .
والخامس : أنه ما نواه من ذلك مطلقا ، سواء قبل الدخول أو بعده ، وقد عرفت توجيه هذه الأقوال ، انتهى من " إعلام الموقعين " .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : المعروف أن المعتمد من هذه الأقوال عند المالكية : اثنان ، وهما القول بالثلاث وبالواحدة البائنة ، وقد جرى العمل في
مدينة فاس بلزوم الواحدة البائنة في التحريم . قال ناظم عمل فاس :
وطلقة بائنة في التحريم وحلف به لعرف الإقليم
ثم قال
ابن القيم في " إعلام الموقعين " : وأما تحرير مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإنه إن نوى به الظهار كان ظهارا ، وإن نوى التحريم كان تحريما لا يترتب عليه إلا تقدم الكفارة ، وإن نوى الطلاق كان طلاقا ، وكان ما نواه . وإن أطلق فلأصحابه فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه صريح في إيجاب الكفارة .
والثاني : لا يتعلق به شيء .
والثالث : أنه في حق الأمة صريح في التحريم الموجب للكفارة ، وفي حق الحرة كناية ، قالوا : إن أصل الآية إنما ورد في الأمة ، قالوا : فلو
قال : أنت علي حرام ، وقال : أردت بها الظهار والطلاق . فقال
ابن الحداد : يقال له عين أحد الأمرين ; لأن اللفظة الواحدة لا تصلح للظهار والطلاق معا . وقيل : يلزمه ما بدأ به منهما ، قالوا : ولو ادعى رجل على رجل حقا أنكره ، فقال : الحل عليك حرام والنية نيتي لا نيتك ما لي عليك شيء ، فقال : الحل علي حرام والنية في ذلك نيتك ما لك عندي شيء ، كانت النية نية الحالف لا المحلف ; لأن النية إنما تكون ممن إليه الإيقاع ، ثم قال : وأما تحرير مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد فهو أنه ظهار بمطلقه ، وإن لم ينوه إلا أن ينوي الطلاق أو اليمين ، فيلزمه ما نواه ، وعنه رواية ثانية أنه يمين بمطلقه ، إلا أن ينوي به الطلاق أو الظهار ، فيلزمه ما نواه .
وعنه رواية ثالثة : أنه ظهار بكل حال ، ولو نوى به الطلاق أو اليمين لم يكن يمينا ولا طلاقا ; كما لو
نوى الطلاق أو اليمين ، بقوله : أنت علي كظهر أمي ، فإن اللفظين صريحان في الظهار ، فعلى هذه الرواية لو وصله بقوله : أعني به الطلاق ، فهل يكون طلاقا أو ظهارا ؟ على روايتين ، إحداهما : يكون ظهارا ; كما لو قال : أنت علي كظهر أمي ، أعني به الطلاق أو التحريم ، إذ التحريم صريح في الظهار . والثانية : أنه طلاق ; لأنه قد صرح بإرادته بلفظ يحتمله ، وغايته أنه كناية فيه ، فعلى هذه الرواية ، إن قال : أعني به طلاقا طلقت واحدة ، وإن قال : أعني به الطلاق ، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة ؟ وعلى روايتين مأخذهما هل اللام على الجنس أو العموم ، وهذا تحرير مذهبه وتقريره ، وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله ، وهو أنه إن أوقع التحريم كان ظهارا ، ولو نوى به الطلاق ، وإن حلف به كان يمينا مكفرة ، وهذا اختيار
ابن تيمية ، وعليه يدل النص والقياس ، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرا من القول وزورا ، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة ، وإذا حلف به كان يمينا من الأيمان كما لو حلف بالتزام الحج والعتق والصدقة ، وهذا
[ ص: 208 ] محض القياس والفقه ، ألا ترى أنه إذا قال : لله علي أن أعتق ، أو أحج ، أو أصوم ، لزمه . ولو قال : إن كلمت فلانا فلله علي ذلك على وجه اليمين ، فهو يمين . وكذلك لو قال : هو يهودي أو نصراني كفر بذلك ، ولو قال : إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كان يمينا . وطرد هذا بل نظيره من كل وجه ، أنه إذا قال : أنت علي كظهر أمي كان ظهارا ، فلو قال : إن فعلت كذا ، فأنت علي كظهر أمي كان يمينا ، وطرد هذا أيضا إذا قال : أنت طالق ، كان طلاقا ، ولو قال : إن فعلت كذا فأنت طالق كان يمينا ، فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان ، وبالله التوفيق . انتهى كلام
ابن القيم .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر أقوال أهل العلم عندي مع كثرتها وانتشارها : أن التحريم ظهار ، سواء كان منجزا أو معلقا ; لأن المعلق على شرط من طلاق أو ظهار يجب بوجود الشرط المعلق عليه ، ولا ينصرف إلى اليمين المكفرة على الأظهر عندي ، وهو قول أكثر أهل العلم .
وقال
مالك في " الموطإ " : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد : إن رجلا جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها ، فأمره
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إن هو تزوجها ألا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر ، اهـ .
ثم قال : وحدثني عن
مالك : أنه بلغه أن رجلا سأل
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ، عن رجل تظاهر من امرأة قبل أن ينكحها ، فقالا : إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر ، اهـ .
والمعروف عن جماهير أهل العلم أن
الطلاق المعلق يقع بوقوع المعلق عليه ، وكذلك الظهار .
وأما الأمة فالأظهر أن في تحريمها كفارة اليمين أو الاستغفار ، كما دلت عليه آية سورة " التحريم " كما تقدم إيضاحه ، والعلم عند الله تعالى .